بحـث
المواضيع الأخيرة
عشاق عكد النصارى
صفحة 1 من اصل 1
عشاق عكد النصارى
رباح آل جعفر
من أكثر الأشعار المُغنّاة التي نسجوا حولها الأساطير والحكايات ، كانت قصيدة ( يا راهب الدير ) لشاعر مغمور . انتشرت بين مغنيّات العصر العباسي ، غنّتها مؤنسة جارية بنت المهدي كما تذكر الروايات ، ووجدنا لها ليلة في ( ألف ليلة وليلة ) ، وغنّاها المصريون ، وأنشدها أهل الشام ، واشتهر في مقامها العراقيون وأولهم شيخ المقامات محمد القبانجي .
قائل هذه الأبيات بتواتر الأخبار ، جنديّ مسلم جاء من مصر أيام الخلافة العباسية وسكن ( عكد النصارى ) في بغداد ، ثم ما لبث أن أضحى عاشقاً في هوى فتاة نصرانية . وبعد قصّة حبّ زلزلت قلبه كان عليه أن يعود إلى بلاده مع الجند العائدين ، فحنّ وبكى وشبك عشره على رأسه ، وسأل راهب الدير : ( هل مرّت بك الإبلُ ؟ ) ثمّ تحسّر على وصل وتوسّل : ( يا حادي العيس عرّج كي أودّعهم / يا حادي العيس في ترحالك الأجلُ ) حتى آلمه العشق ، وأودى بعقله وحياته !.
وعندما غنّى محمد القبانجي مقام ( النصارى ) تقدم صحفيّ مسيحيّ ببلاغ يتهمه بالطائفية أيام لم يعرف العراق معنى الطائفية . هناك اجتمع المسيحيون في ( عكد النصارى ) وكتبوا بلاغاً بأسمائهم وقدّموه إلى المحكمة يعلنون وقوفهم مع القبانجي ، ما دعاه أن يردّ لهم التحيّة بأحسن منها ، ويُغنّي لهم ( أنا مغرم بالنصارى ) بنوع من الامتنان والعرفان بالجميل !.
ووجدت الشيخ محمد سعيد الحبوبي وهو بركان هادر من الشعر والمشاعر ، يمرّ في عكد النصارى فيستوحي من ( العكد ) أحلى قصائده ويناجي الحبيب قائلاً :
فلو رأتك النصارى في كنائسها ..
مُصوّراً ربّعت فيك الأقانيما .
وهذا هو الشاعر البديع حافظ جميل أبو نواس العراق تخطف جمار قلبه طالبة مسيحية قادمة من دمشق اسمها ( ليلى تين ) يلتقيها في الجامعة الأميركية ببيروت فيغازلها بقصيدة رقيقة غناها المطرب ناظم الغزالي : ( يا تين يا توت يا رمان يا عنبُ / يا خير من حوت الأغصانُ والكتبُ ) .. وفي بيت آخر ( حلفتُ بالكرم يا ليلى وبالتوت / وما ضمّ صدرك من درّ وياقوت ِ) ، و ( يا توتُ يا ليت ظلّ التوت مضجعنا / وأنت ليتك يا رمّانُ ترضعنا ) .
لم تكتمل القصيدة . اشتكت ليلى إلى عمادة الجامعة ما تلقاه من مضايقات حافظ جميل ووشايات الطلاب . عاد حافظ إلى العراق دون أن يظفر لا بليلى ولا بالتين ، غير أن الحظ شاء أن يجتمعا بعد طول فراق ونوى حين جاءت ليلى للتدريس في دار المعلمات ببغداد .. كان اللقاء في ( عكد النصارى ) واكتملت القصيدة !.
وإذا كان عكد النصارى أشهر أحياء بغداد التي سكنها المسيحيّون ، فمن الملفت إن أشهر منارة في تاريخ بغداد ، منارة جامع الخلفاء ، سمقت وشهقت في هذا المكان أيضاً .. ويوماً حدثني الشيخ جلال الحنفي عن ذكريات من مجلس الأب انستاس ماري الكرملي في عكد النصارى . قال لي : من الكرملي تعلمت العربية وهو من أسبغ عليّ لقب الحنفي !.
مسجد تجاوره كنيسة ، شيخ في مجلس راهب ، مسلم عاشق يصبو في هوى مسيحية . لا بُدّ هناك من لغز عجيب يدفع هذه العذابات نحو ( سمراء من قوم عيسى ) .. ولو كانت هذه السمراء تضرب بالناقوس لتفتك بالقلوب !.
طلال فؤاد حنوكة ايشوعي- عدد الرسائل : 1971
العمر : 63
تاريخ التسجيل : 31/03/2010
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت فبراير 17, 2024 4:02 am من طرف Jo Hermiz
» رمش عيد ختان الرب 2022
الخميس فبراير 15, 2024 3:09 pm من طرف Jo Hermiz
» الجمعة الرابعة من السوبارا
الأربعاء فبراير 14, 2024 5:43 pm من طرف Jo Hermiz
» تشبوحتا
الخميس سبتمبر 01, 2022 3:32 pm من طرف Jo Hermiz
» شبح لالاها معشنان
الثلاثاء مايو 03, 2022 5:20 am من طرف Jo Hermiz
» تشبوحتا دمثأمرا بسهرة الحش يوم خميس الفصح بعد الانجيل
الجمعة أبريل 15, 2022 3:04 pm من طرف Jo Hermiz
» شليحا دعيذا قديشا دقيمتيه دمارن
الخميس أبريل 14, 2022 3:09 pm من طرف Jo Hermiz
» قريانا دعيذا قديشا دقيمتيه دمارن
الأربعاء أبريل 13, 2022 3:48 pm من طرف Jo Hermiz
» قولاسى دقوداشا تليثايا تسجيل جديد
الأربعاء أبريل 13, 2022 3:06 pm من طرف Jo Hermiz