بحـث
المواضيع الأخيرة
الشراكة بالوطن.. أديان ومذاهب العراق
صفحة 1 من اصل 1
الشراكة بالوطن.. أديان ومذاهب العراق
تحت المجهر
الشراكة بالوطن.. أديان ومذاهب العراق
رشيد الخيُّون
لا أكثرية تجحف حق الأقلية ولا سيادة لمذهب أو دين أو قومية
تتعايش بالعراق اليوم خمسة أديان، اثنان منها تعددت مذاهبهما وهما المسيحية والإسلام، وثلاثة أخرى هي: الصابئية المندائية والأيزيدية واليهودية، لا يُلمس فيها في الوقت الراهن مذاهب وفرق. يُضاف إلى هذا العدد البهائية التي لها حضورها أيضاً منذ القرن التاسع عشر، أما الكاكائية أو أهل الحق فلها أن تكون ديناً أيضاً، وبهذا في ظل الحرية العقائدية، التي لا تمس بالآخرين ستكون أديان العراق سبعة أديان. وإذا كان الإسلام والمسيحية تتجاوز حدودهما إلى حدود غيرهما عبر التبشير ولا تربط الانتساب إليها بقومية أو بأصل وانحدار فإن الأديان الثلاثة الباقية اكتفت بحدودها وراعت الأصل في الانتساب إليها، فمن المتعارف عليه أن اليهودي والمندائي والأيزيدي يتحول إلى الإسلام والمسيحية برمشة عين بفعل التبشير أو الضغوط، لكن من العسير، إن لم يكن من المستحيل، أن يجد المسلم أو المسيحي مكاناً له في الأديان الثلاثة الأخرى، لأنها تعتمد شروطاً في الانتساب ومنها العلاقة بالأم ونقاوة الدم وغير ذلك.
في أمر التبدل الديني بين الناس نأتي على ما طرحه اليهودي سعد الدولة المعروف بابن كمونة في كتابة (تنقيح الأبحاث في الملل الثلاث): (لا نرى أحداً إلى اليوم (القرن السابع الهجري) يدخل في الإسلام إلا أن يكون عليه خوف، أو في طلب العز، أو يؤخذ في خراج ثقيل، أو يهرب من الذل، أو يؤخذ في سبي، أو يعشق مسلمة، أو ما أشبه ذلك، ولم نر رجلاً عالماً بدينه وبدين الإسلام هو عزيز موسر متدين انتقل إلى دين الإسلام بغير شيء من الأسباب المذكورة، أو ما ماثلها) (تنقيح الأبحاث في الملل الثلاث، ص102). وفي هذا المضمار قد سبق أبو العلاء المعري (ت449هـ) ابن كمونة إلى القول في (لزوم ما لا يلزم) (2 ص 350):
قد اسلم الرجل النَّصران مرتغباً
وليس في ذلك حبٌّ لإسـلام
وإنمـا رام عـزاً في معيـشته
أو خاف ضربة ماضي الحدِّ قلام
أو شاء تزويج مثل الظبي مُعلمة
للنـاظرين بأسـوار وعُـلام
وبطبيعة الحال أشار صاحبا القولين إلى الغالب من حالات التبدل الديني إلى الإسلام، لكن لا يخلو الأمر من حصول حالات أخرى مبنية على القناعة. فليس كل المسلمين مثل جبرا إبراهيم جبرا، الذي أصبح مسلماً من أجل الزواج بمَنْ أحب، حسب اعترافه في كتابه (شارع الأميرات).
كذلك تحضر المصالح أيضاً في حالات التبدل المذهبي بين المسلمين غير المحظور، فطريف ما يذكر يوم أنشأ نظام الملك السلجوقي المدرسة النظامية وأوقفها على الشافعية فقط، وألا يقبل فيها طالباً أو مدرساً أو موظفاً أو فراشاً إلا أن يكون شافعياً، يومها بدل وجيه الدين أبو بكر بن المبارك الواسطي مذهبه إلى الشافعي، وكان قد بدل مذهبه عدة مرات، من الحنبلي إلى الحنفي إلى الشافعي، حسب مذهب المكان الذي يجد وظيفة فيه. وهذا المدرس كان نابغة في النحو، ومعرفة الألسن، فقيل إنه كان يتقن: الفارسية والتركية والرومية والحبشية والزنجية، إضافة إلى ذلك كان شاعراً، كل هذا وهو أعمى. وقد داعبه مؤيد الدين أبو البركات التكريتي (ت 599 هـ) بالأبيات الآتية (الربيعي، العُذيق النضير، ص 3-5، عن مصادر تاريخية قديمة، منها معجم الأدباء، وطبقات الشافعية، والجامع لابن الساعي):
ألا مبلـغ عني الوجيه رسالـةً
وإن كان لا تجـدي إليه الرسائلُ
تمذهبت للنعمان بعد ابن حنبلٍ
وذلك لمـا أعـوزتك المـآكلُ
وما اخترت رأي الشـافعي تُديناً
ولكنـما تهوى الذي هو حـاصلُ
وعما قريبٌ أنت لا شـكَ صائرُ
إلى مالـكٍ فأفطـن لما أنا قائـلُ
لكن هذا التبدل الديني، وإن كان له الأثر الكبير في تحول الأديان الأخرى إلى أقليات وسط كثرة إسلامية، لم يلغ التعدد. وهنا أود التوقف عند مصطلحي الأكثرية والأقلية ذلك لما في مصطلح الأقلية من حرمان وإلغاء للحقوق التاريخية والشراكة المتوازنة في الوطن الواحد، إضافة إلى ما يولده هذا المصطلح من الشعور بالضعف والاغتراب، وبالتالي يصبح الوطن وطن الأكثرية فقط. فالمواطنة كما أراها هي حقوق قبل العدد لا تخضع لحكم الأقلية والأكثرية، وأفضل على هذين المصطلحين مصطلح التكوين الديني والمذهبي، وتصدق العبارة على التعدد القومي أيضاً. فلعل سؤالاً يطرح لماذا تتحدثون عن تكوين يهودي ولم يبق من يهود العراق غير العشرات، ولماذا تتحدثون عن تواجد علوي أو نصيري ولم يبق بالعراق غير أنفار يسترون مذهبهم عن الآخرين بين قرى مدينة عانة؟
الجواب على هذا السؤال يتطلب معرفة تاريخية في علاقة هذه التكوينات الذاهبة نحو الانقراض، بما فعلته السياسة المدمرة في المجتمع العراقي. فاليهود الذين تأسسوا فكرياً ببابل، وتركوا مزارات أنبياء وأولياء لا يمكن إلغاؤهم ومحو أثرهم عن المكان، فهم ليسوا أرض الحياد أو قطعة تراب يتبرع بها الحاكم إلى دولة أخرى، هم من قوام هذا الشعب، لهم صلات في الأرض والبشر، وانتقالهم إلى مكان آخر تحت القسوة لا يعني انقطاعهم عن بلادهم، ونحن في عصر تصدق عليه العبارة التي نقلها أبو حيان التوحيدي (414هـ) عن صاحبه في كتاب (الصداقة والصديق) راداً على مَنْ استغرب صداقته لشخص يسكن ببلاد أخرى، تُعد قصية في حساب قطع المسافات وقتذاك، قال: (الأمكنة في الفلك أشد تضامناً من الخاتم في إصبعك، وليس لها هناك هذا البعد الذي تجده بالمسافة الأرضية من بلد إلى بلد بفراسخ تقطع، وجبال تُعلى، وبحار تخرق).
فما يربط اليهود بعراقهم أكثر من أرض ميعاد أو جنة موعودة، وما حصل كان سبياً صهيونياً واقتلاعاً من الجذور تحقق بفعل قوانين وممارسات لم تكن دولة إسرائيل بعيدة عنها، تكللت بما عرف بالفرهود وإسقاط الجنسية، وبهجرتهم تضرر العراق وتضرروا هم روحياً واجتماعياً، فتحولوا إلى كتل من الحنين المؤذي،حتى غدوا يعيشون على الماضي وذكرياته.
وبالنسبة للعراق كانوا طائفة منتجة في مجال الصناعة والمال والفن، وكان وجودهم يحقق التوازن الاجتماعي، فقد بدأ هذا البلد متنوعاً وظل هكذا رغم الهزات العنيفة التي تعرضت لها طوائفه كافة، وتبدو تسمية مخلفات اليهود المالية بالأموال المجمدة نافعة في الإشارة إلى تجميد نشاط حرفي وفني عمره آلاف السنين. جُمد بالعراق ليتحرك بإسرائيل أو بلدان العالم الأخرى، ومن الغرابة بمكان أن يكون الفلسطيني أمين الحسيني مشجعاً لفرهود يهود العراق ومحاصرتهم من أجل دفعهم للهجرة إلى إسرائيل.
وما يخص تاريخ المسيحية بالعراق فقد أشارت الروايات بوضوح إلى دخولها بفعل حركة تبشيرية هادئة، بعيداً عن فتوحات الروم البيزنطيين، وأول المناطق التي تنصرت هي منطقة حدياب، أربيل اليوم. لكن ليس هناك مَنْ ينفي دور الخلافات الرومانية الساسانية في نشوء وصراع المذاهب المسيحية، كالنسطورية واليعقوبية، فقد شجع الساسانيون النسطورية، المرفوضة عند الرومان، في أن تسود ببلاد المشرق. وإذا كانت سيادة المسيحية التامة في الشام بفعل أباطرة الرومان المسيحيين فإن انتشارها وانحسارها في العراق له صلة مباشرة بتقلب الأحوال بين الدولتين. فالمسيحيون العراقيون كانوا يستفيدون من أجواء السلم والحرب على السواء، ففي السلم يتقدم الرومان لحمايتهم كشرط من شروط المهادنة، وفي الحرب يدفعهم الساسانيون إلى المزيد من الخلاف المذهبي مع الكنيسة البيزنطية، مقابل تسهيلات دينية.
عشرون قرناً هو عمر المسيحية ببلاد ما بين النهرين، واجهت خلالها اليسر والعسر تبعاً إلى الظرف السياسي وشخصية الحاكم الفارسي المجوسي أو العربي المسلم، وكثيراً ما كان للنساء والجثالقة دور في سريان التسامح الديني، فما عدا ملوك الحيرة، وعدد من الإمارات في الشمال، لم يحصل أن تبوأ مسيحي الحكم في جهة من جهات العراق.
فإلى جانب فترات الانفراج التي يُعاد خلالها عمران الكنائس، وتقام الطقوس بحرية، تعرض المسيحيون لدورات دموية، فقدوا فيها ما فقدوه من القساوسة والأتباع، بين القتل والارتداد عن الدين بالقوة، وما فقدوه من وثائق تاريخية وممتلكات كنسية نفيسة، ويكاد لا يخلو عصر من العصور من حوادث مريعة ضدهم، وهذه الحال دفعت بالأب إسحاق أرملة السرياني (ت1954) أن يجمع نكبات أهل ملته في القرون المتأخرة على يد أمراء أتراك واغوات كورد، بين دفتي كتاب وسمه بـ (القصارى في نكبات النصارى).
يتوزع المسيحيون العراقيون على الفرق التالية: حسب الدليل العراقي 1936: الكاثوليك الكلدانيون، النساطرة الآشوريون، السريان الكاثوليك، السريان الأرثوذكس، الآباء الكرمليون. وحسب حارث يوسف غنيمة في بحث (الطوائف الدينية في القوانين العراقية) (مجلة بين النهرين 86/1989): الكاثوليك الكلدان، السريان الكاثوليك، اللاتين، الروم الكاثوليك (الملكيون)، السريان الأرثوذكس (اليعاقبة)، الأرمن الكاثوليك، الأرمن الغريغورية، البروتستان.
استكمل الإسلام دخوله العراق خلال ستة أعوام (13-19هـ)، أي بدأ بالاستيلاء على القادسية والمدائن واكتمل بالاستيلاء على جلولاء، ليصبح العراق مركزاً للخلافة الإسلامية أربعة سنوات هي مدة خلافة الإمام علي بن أبي طالب، ثم طوال الخلافة العباسية (132-656هـ) من خلافة أبو العباس السفاح إلى خلافة المستعصم بالله. ومن العراق انطلق الإسلام صوب الشرق حتى وصل بلاد السند (باكستان) والهند وما وراء النهر، والبلاد الإيرانية كافة. وبعد الاجتياح المغولي انقطعت رئاسة الدولة عن الإسلام، رغم أن الحكومة التي ألفها المغول كانت مسلمة، وتركيبتها من المذهب السني.
لكن زعامة الدولة البوذية التي استمرت 38 عاماً حتى إسلام حفيد هولاكو، غازان خان بن آرغون خان بن آباقا خان بن هولاكو خان، لم تسئ للإسلام والمسلمين بعد أن انتهت أيام الاجتياح، ويروي مؤرخ المغول وطبيبهم اليهودي السابق رشيد الدين فضل الله الهمداني هذه اللحظات بالتالي: (إن غازان خان نطق بكلمة التوحيد في أوائل شعبان سنة 694هـ (1294م) بحضور الشيخ صدر الدين إبراهيم بن حمويه، ومعه كافة الأمراء (قيل أسلم معه مئة ألف مغولي) صار الجميع مسلمين، ولقد أقيمت الولائم والأفراح، واشتغل الحاضرون بالعبادة) (جامع التواريخ، تاريخ غازان خان).
مذاهب الإسلام هي الشيعة: يصعب معرفة مؤسس لهذا المذهب على وجه التحديد، لأنه بدأ حركة ظهرت بوادرها بين المسلمين أثناء سقيفة بني ساعدة، عند وفاة النبي محمد مباشرة، ثم تبلورت أكثر عند الالتفاف حول الإمام الحسين بن علي وبعد مقتله، ولعب الإمام جعفر الصادق دوراً كبيراً في بلورتها كمذهب فكري وفقهي، ومنشأ المذهب كما يبدو العراق، والتشيع العراقي يختلف عن التشيع الصفوي الإيراني في العديد من الامور، ففي العراق احتفظ بكيانه الفكري خارج أروقة السلطة بينما أصبح التشيع الإيراني سلطة وما زال، وما يعنيه التداخل بين السلطة والدين أو المذهب، فالأول احتفظ بأصالته العلوية بينما دخلت إلى الثاني هموم الامبراطورية. انقسمت الشيعة في تاريخها إلى عشرات الفرق، ظهر منها الإسماعيليون، والعلويون النصيريون والإمامية، وهو المذهب الشيعي الرئيس بالعراق اليوم. وآخر انفلاق فيها ظهر بين الإخباريين والأصوليين ثم ظهرت الشيخية التي لها وجود ملحوظ بمدينة البصرة اليوم.
وانقسم الإسلام السنّي، من الناحية الفقهية والفكرية، إلى تيارين رئيسين، هما أهل الرأي، وأهل الحديث. وتبلور المذهب الاول من مقالات الإمام أبي حنيفة النعمان (150هـ) الممتدة إلى خلفية فقهية كان روادها عبد الله بن مسعود (ت32هـ) وإبراهيم النخعي (ت96هـ) وحماد بن أبي سليمان(ت120هـ)، والأخير كان أستاذاً لأبي حنيفة مدة 18 عاماً، والمشترك بين هؤلاء أنهم مقلون في رواية الحديث، وبالتالي يتقدم عندهم الرأي على النص. انتشر المذهب الحنفي بالعراق بعد تبوؤ قاضي القضاة أبي يوسف منصب القضاء زمن المهدي وقيل زمن الرشيد، وظل مذهباً للدولة العباسية لم ينافسه مذهب آخر حتى ظهر المذهب الشافعي، وعلى ما اعتقد أنه أكثر المذاهب قدرة على الانفتاح، ولديه أحكام مريحة لأهل الأديان الأخرى وللمرأة والحرية الاجتماعية، ولا زال يؤلف الأغلبية السنّية بين عرب وتركمان العراق.
وتمثل أهل الحديث بالعراق بالمذهبين الشافعي والحنبلي. أنشأ المذهب الأول الإمام محمد بن إدريس الشافعي (ت204هـ)، وكان إلى حد ما يمثل الوسط بين أهل الحديث وأهل الرأي، وأخذ ينتشر بالعراق على يد القضاة الشافعيين، ونصره أصحاب الحديث كثيراً، وفي مقدمتهم الإمام أحمد بن حنبل. وينقل عن الشافعي أنه قال: (سُميت ببغداد ناصر الحديث) (ابن عساكر، تاريخ دمشق، 51 ص 343). والنصرة عادة تعني أن هناك هزيمة، وهذا ما تعرض له أهل الحديث على يد أهل الرأي والمعتزلة. فما كان يخشاه هؤلاء خسارة ما حققوه في ظل خلافة هارون الرشيد، مثل إبعاد البرامكة وإلغاء مجالس المناظرات التي كان يرعاها الوزير جعفر بن خالد البرمكي، يُضاف إلى ذلك قدرة المذهب المنافس، المذهب الحنفي، على دعم الحركة العقلية والفرق الكلامية، لذا أصبح الحنفيون قريبين من الاعتزال في أُصول الدين، بينما أتخذ الشافعيون مقالات الأشعري أُصولاً، وما فيها من تراجع عن الاعتزال الذي كان يتبناه المتكلم المذكور، حتى أصبح من المتعذر، أيام السلاجقة، الفصل بين الشافعي والأشعري، لذا أصبحت مدارس الفقه الشافعي مكاناً للتبشير بمقالات الأشاعرة.
قال أبو العلاء المعري في نقد اتباع مدرسة الحديث وتقليد النص:
وينفر عقلي مُغضـباً إن تركته
سدىً واتبعت الشافعي ومالكا
بلغ المذهب الشافعي أوج مجده زمن سلطنة السلاجقة ببغداد، وقد تحول هؤلاء الحنفيون بالأصل إلى الشافعية عبر وزيرهم نظام المُلك (ت485هـ)، الذي جعل مدرسته النظامية مغلقة للمذهب الشافعي والأشعري. حالياً، المنطقة الكوردية قاطبة على المذهب الشافعي، ومَنْ تواجد من التركمان بأربيل شوافع أيضاً، وكذلك سامراء ومناطق من غربي العراق تعتقد بهذا المذهب، وكانت شط العرب تعتقد المذهب الشافعي.
لفترة طويلة لم تتبلور آراء ابن حنبل مذهباً فقهياً، وظلت أقرب إلى الحركة أو التيار من المذهب، لكن التمسك بالنصوص والأشخاص والعودة إلى الأُصول أو السلف المؤثرة في مزاج العامة جلبت لابن حنبل والحنابلة عموماً كثرة الأتباع من الغوغاء، فكان لهم وجود مؤثر في الحياة السياسية، حتى اضطر بعض الخلفاء إلى تملق الحنابلة، واشتهرت ببغداد الفتن بين الشافعية وبين الحنابلة، ووصل الأمر إلى العراك بالآجر. وكان الاختلاف الفكري الذي لم تدركه العامة بين الأشاعرة والحنابلة حول الصفات، مع أن أبا الحسن الأشعري جعل نفسه من اتباع ابن حنبل في قضية الصفات ورفض مقالة خلق القرآن.
كان المذهب الحنبلي الذي تطور على يد ابن تيمية ثم ابن قيم الجوزية، ووصل إلى قمة تشدده على الشيخ محمد بن عبد الوهاب، إلى مصاف الفقه مذهب حديث لا فقه، وإمامه محدث لا فقيه، هذا ما ذهب إليه المؤرخ والمفسر محمد بن جرير الطبري، وحصل ما حصل له من قبل العامة. لم يستمر المذهب الحنبلي ببغداد ولا بمدن العراق الأخرى ماعدا منطقة الزبير على مشارف الصحراء، فلم ينجح الشيخ ابن عبد الوهاب في بث دعوته بالبصرة قبل بثها بنجد، وكان قد درس ببغداد.
أما الكاكائية، فهي بالأصل فرقة جمعت بين التصوف والتشيع إلى حد العلي إلهية، وللاسم علاقة بالكلمة الكوردية كاكا، أي الأخ الأكبر، أي لها علاقة ما بظاهرة الفتوة. وفي رأي آخر، كانت (الكاكائية بالأصل طريقة صوفية سواء من ناحية التنظيم أو المنشأ التاريخي) (خورشيد، العشائر الكوردية، ص 89)، مؤسسها هو سلطان اسحق بن عيسى البرزنجي. جاء ذلك مطابقاً لما قاله المستشرق الروسي فلاديمير مينورسكي حول العلي إلهية: (وأما كشف الأسرار، فلم يتم في عهد ألوهية علي، وإنما بعده، فقد حدث في عصر بابا خوشين والسلطان اسحق، ومما تجدر الإشارة إليه هو أن الألوهية ـ في نظرهم ـ قد رضخت إلى رئيس الملائكة التي كانت تقترن بها) (الأكراد ملاحظات وانطباعات، ص81). وهذا ما يؤكد تأثيرات أيزيدية في طقوسهم، تتواجد الكاكائية بكركوك والموصل ومناطق من السليمانية وأربيل بعيداً بين الجبال.
لم أتكلم عن الشبك، لأنهم قبيلة كوردية، منها السنة ومنها الشيعة، وما حبره فيهم أحمد حامد الصراف في كتاب (الشبك) غير مقنع، لأنه حكاية عن شخص لا بحث في قوامهم وتركيبهم.
المندائية ديانة ذات أُصول عراقية، لكن لا يمنع ذلك من تواجد فرقة منها مثل الأسينيين بفلسطين وأخرى بحران، لذا من الصعوبة أن نتحدث عن هجرات مندائية، وإن كان الاعتقاد الديني ولا يزال أنهم جاؤوا من جزيرة سندريت بسيلان الهندية في سفينة يقودها سام بن نوح. وسندريت حسب المصادر الإسلامية أنها جبل هبط عليه آدم، وهو (همزة وصل بين السماء والأرض). تختلف إحصاءات المندائيين من فترة إلى أخرى، لكن الذي يطمأن له اليوم أنهم يعدون مئة ألف نسمة، منهم خمسة وعشرون ألفاً بالأهواز وخمسة وعشرون ألفاً أخرى خارج العراق، وخمسون ألفاً داخل العراق، النسبة الأكبر منهم ببغداد ثم البصرة ثم العمارة.
ديانة أخرى اشتبكت المصادر حول أُصولها، فمثلما ابتلي المندائيون برواية أنهم نصارى منحرفون ابتلي الأيزيديون برواية أنهم مسلمون مرتدون، يحل تأديبهم أو قتلهم، وبهذه الحجة وغيرها صدرت فتاوى قتل عديدة ضدهم. يبدو أن أول مصدر إسلامي ذكرهم هو كتاب (الأنساب) لعبد الكريم السمعاني (القرن السادس الهجري)، وقد لفظ اسمهم باليزيدية، فسار الآخرون عقبه في هذه التسمية. معروف أن مضارب الأيزيدية هي الموصل ودهوك، ويقع معبدهم في وادي لالش المقدس. لا أظنهم يؤمنون بوجود كائن يدعى الشيطان. قال لي أحد شيوخهم وأنا أقلب ناظري في سقف المعبد: (نحن من أتباع النبي إبراهيم، وهذه الكتب ليست كتبنا الحقيقية وإنما لفقت في فترة من الفترات، ونحن لا نؤمن بوجود الشيطان، وإنما هو الله الواحد للخير والشر). فهم أيزيدون أي إلهيون أتباع الله أيزيد أو يزدان حسب لسانهم.
تأثرت طقوس الأيزيديين بطقوس الأديان الأخرى، فكانوا متأثرين على الدوام، ذاك لقلتهم وبداوتهم وحداثة كتابيهما المقدسين (مصحف رش) و(الجلوة) نسبة إلى قدم الكتب الدينية الأخرى، بعد فقدان كتبهم الأصلية حسب ما يقال، إضافة إلى تقوقعهم في البيئة الجبلية واستقبالهم لزائرين من الأديان المختلفة. لكنهم أخضعوا الطقوس التي تأثروا بها لعقائدهم التي تبدو قديمة جداً. تناقضت الآراء حول تاريخهم وطقوسهم رغم أن أغلب الذين كتبوا عنهم قاموا بزيارتهم والاختلاط بهم، وكثير منهم حضر شعيرتهم الكبرى المتمثلة في مهرجان السناجق السبعة.
وفيما يخص تسميتهم، يصر الآخرون كباحثين ودوائر رسمية على تسميتهم باليزيديين، رغم تأكيد عدم الصلة بأي يزيد كيزيد بن معاوية أو يزيد بن أنيسة أو يزيد بن عنيزة (قيل أن شيخ عدي كان يمثله)، وتبدو هذه التسمية محرفة عن الإيزيدية لسهولة التلفظ بها من جهة ومن جهة أخرى لرسوخ الاعتقاد الخاطئ حول صلتهم بيزيد بن معاوية. يربو عددهم اليوم على نصف مليون نسمة. أما حكاية أصلهم العربي أو الأموي فلا أصل لها على الإطلاق.
كانت هذه الخاصية حاضرة في ذهنية الساسة العراقيين ورجال الدين في العصر الحديث، ففي حزيران 1920، أوان ثورة العشرين (استقبل وفد يقوده جعفر أبو التمن (أحد وجهاء الشيعة البغداديين) ويضم شباباً من السنّة والشيعة، موكباً مسيحياً كان في طريقه إلى أحد الكنائس للاحتفال بعيد الجسد، فنثروا الورود ورشوا الماء المعطر على الموكب وهتفوا: عاش مجد سيدنا المسيح، عاش إخواننا المسيحيون.. عاشت الوحدة العراقية، عاشت الوحدة الوطنية) (عوني فرسخ، الأقليات في التاريخ العربي، ص، 383 عن وميض نظمي، الجذور السياسية والفكرية والاجتماعية للحركة القومية في العراق، ص365). فكان جواب المسيحيين: (عاش إخواننا المسلمون، عاش العرب).
واستعداداً لتشكيل الدولة الحديثة والعيش بتجاور مريح حرصت كل الأطراف على المشاركة في الأعياد الدينية، ووزعت منشورات في أيار (مايو) من السنة نفسها ببغداد والموصل على المسيحيين واليهود (تؤكد على وحدة وأخوة كافة الطوائف العراقية وتدعوها باسم الوطن الواحد والمصير الواحد إلى الاتحاد مع المسلمين لتحقيق استقلال العراق). وتشكل المجلس التأسيسي العراقي العام 1924 على أساس التكاتف بين كل الأديان والمذاهب، فحزب واحد جمع بين مولود مخلص السنُّي وجعفر أبو التمن الشيعي. وأن القساوسة أوصوا بعدم المشاركة في انتخابات المجلس التأسيسي بالموصل تضامناً مع علماء الشيعة بكربلاء والنجف والكاظمية. ووجهاء من أهل السنة رجال دين وشيوخ عشائر، وسياسيين مثل مولد مخلص، وصولوا كربلاء تضامناً ودفاعاً عنها ضد حملات الإخوان من الجزيرة.
حدد هذا التعايش فيما بعد بقوانين رسمية، من هذه القوانين حسب الجريدة الرسمية: يعاقب بالسجن مَنْ: أساء لشعائر طائفة دينية، أو عطل إقامتها، أو خرب أو دنس بناية خاصة بالعبادة، أو تجاوز على حرمة دينية، أو نشر كتاباً مقدساً لطائفة دينية بعد تحريف نصه وتشويه معناه، أو أهان علناً رمزاً أو شخصاً مقدساً، أو سخر من طقس ديني. يراد لهذه القوانين أن تشدد أكثر وأن تدخل فيها منع التبشير الديني عن طريق الإغراء والترهيب، وأن تشدد في العقوبة فحدها الأعلى الحبس ثلاث سنوات لا أجده كافياً.
r_alkhayoun@hotmail.com
الشراكة بالوطن.. أديان ومذاهب العراق
رشيد الخيُّون
لا أكثرية تجحف حق الأقلية ولا سيادة لمذهب أو دين أو قومية
تتعايش بالعراق اليوم خمسة أديان، اثنان منها تعددت مذاهبهما وهما المسيحية والإسلام، وثلاثة أخرى هي: الصابئية المندائية والأيزيدية واليهودية، لا يُلمس فيها في الوقت الراهن مذاهب وفرق. يُضاف إلى هذا العدد البهائية التي لها حضورها أيضاً منذ القرن التاسع عشر، أما الكاكائية أو أهل الحق فلها أن تكون ديناً أيضاً، وبهذا في ظل الحرية العقائدية، التي لا تمس بالآخرين ستكون أديان العراق سبعة أديان. وإذا كان الإسلام والمسيحية تتجاوز حدودهما إلى حدود غيرهما عبر التبشير ولا تربط الانتساب إليها بقومية أو بأصل وانحدار فإن الأديان الثلاثة الباقية اكتفت بحدودها وراعت الأصل في الانتساب إليها، فمن المتعارف عليه أن اليهودي والمندائي والأيزيدي يتحول إلى الإسلام والمسيحية برمشة عين بفعل التبشير أو الضغوط، لكن من العسير، إن لم يكن من المستحيل، أن يجد المسلم أو المسيحي مكاناً له في الأديان الثلاثة الأخرى، لأنها تعتمد شروطاً في الانتساب ومنها العلاقة بالأم ونقاوة الدم وغير ذلك.
في أمر التبدل الديني بين الناس نأتي على ما طرحه اليهودي سعد الدولة المعروف بابن كمونة في كتابة (تنقيح الأبحاث في الملل الثلاث): (لا نرى أحداً إلى اليوم (القرن السابع الهجري) يدخل في الإسلام إلا أن يكون عليه خوف، أو في طلب العز، أو يؤخذ في خراج ثقيل، أو يهرب من الذل، أو يؤخذ في سبي، أو يعشق مسلمة، أو ما أشبه ذلك، ولم نر رجلاً عالماً بدينه وبدين الإسلام هو عزيز موسر متدين انتقل إلى دين الإسلام بغير شيء من الأسباب المذكورة، أو ما ماثلها) (تنقيح الأبحاث في الملل الثلاث، ص102). وفي هذا المضمار قد سبق أبو العلاء المعري (ت449هـ) ابن كمونة إلى القول في (لزوم ما لا يلزم) (2 ص 350):
قد اسلم الرجل النَّصران مرتغباً
وليس في ذلك حبٌّ لإسـلام
وإنمـا رام عـزاً في معيـشته
أو خاف ضربة ماضي الحدِّ قلام
أو شاء تزويج مثل الظبي مُعلمة
للنـاظرين بأسـوار وعُـلام
وبطبيعة الحال أشار صاحبا القولين إلى الغالب من حالات التبدل الديني إلى الإسلام، لكن لا يخلو الأمر من حصول حالات أخرى مبنية على القناعة. فليس كل المسلمين مثل جبرا إبراهيم جبرا، الذي أصبح مسلماً من أجل الزواج بمَنْ أحب، حسب اعترافه في كتابه (شارع الأميرات).
كذلك تحضر المصالح أيضاً في حالات التبدل المذهبي بين المسلمين غير المحظور، فطريف ما يذكر يوم أنشأ نظام الملك السلجوقي المدرسة النظامية وأوقفها على الشافعية فقط، وألا يقبل فيها طالباً أو مدرساً أو موظفاً أو فراشاً إلا أن يكون شافعياً، يومها بدل وجيه الدين أبو بكر بن المبارك الواسطي مذهبه إلى الشافعي، وكان قد بدل مذهبه عدة مرات، من الحنبلي إلى الحنفي إلى الشافعي، حسب مذهب المكان الذي يجد وظيفة فيه. وهذا المدرس كان نابغة في النحو، ومعرفة الألسن، فقيل إنه كان يتقن: الفارسية والتركية والرومية والحبشية والزنجية، إضافة إلى ذلك كان شاعراً، كل هذا وهو أعمى. وقد داعبه مؤيد الدين أبو البركات التكريتي (ت 599 هـ) بالأبيات الآتية (الربيعي، العُذيق النضير، ص 3-5، عن مصادر تاريخية قديمة، منها معجم الأدباء، وطبقات الشافعية، والجامع لابن الساعي):
ألا مبلـغ عني الوجيه رسالـةً
وإن كان لا تجـدي إليه الرسائلُ
تمذهبت للنعمان بعد ابن حنبلٍ
وذلك لمـا أعـوزتك المـآكلُ
وما اخترت رأي الشـافعي تُديناً
ولكنـما تهوى الذي هو حـاصلُ
وعما قريبٌ أنت لا شـكَ صائرُ
إلى مالـكٍ فأفطـن لما أنا قائـلُ
لكن هذا التبدل الديني، وإن كان له الأثر الكبير في تحول الأديان الأخرى إلى أقليات وسط كثرة إسلامية، لم يلغ التعدد. وهنا أود التوقف عند مصطلحي الأكثرية والأقلية ذلك لما في مصطلح الأقلية من حرمان وإلغاء للحقوق التاريخية والشراكة المتوازنة في الوطن الواحد، إضافة إلى ما يولده هذا المصطلح من الشعور بالضعف والاغتراب، وبالتالي يصبح الوطن وطن الأكثرية فقط. فالمواطنة كما أراها هي حقوق قبل العدد لا تخضع لحكم الأقلية والأكثرية، وأفضل على هذين المصطلحين مصطلح التكوين الديني والمذهبي، وتصدق العبارة على التعدد القومي أيضاً. فلعل سؤالاً يطرح لماذا تتحدثون عن تكوين يهودي ولم يبق من يهود العراق غير العشرات، ولماذا تتحدثون عن تواجد علوي أو نصيري ولم يبق بالعراق غير أنفار يسترون مذهبهم عن الآخرين بين قرى مدينة عانة؟
الجواب على هذا السؤال يتطلب معرفة تاريخية في علاقة هذه التكوينات الذاهبة نحو الانقراض، بما فعلته السياسة المدمرة في المجتمع العراقي. فاليهود الذين تأسسوا فكرياً ببابل، وتركوا مزارات أنبياء وأولياء لا يمكن إلغاؤهم ومحو أثرهم عن المكان، فهم ليسوا أرض الحياد أو قطعة تراب يتبرع بها الحاكم إلى دولة أخرى، هم من قوام هذا الشعب، لهم صلات في الأرض والبشر، وانتقالهم إلى مكان آخر تحت القسوة لا يعني انقطاعهم عن بلادهم، ونحن في عصر تصدق عليه العبارة التي نقلها أبو حيان التوحيدي (414هـ) عن صاحبه في كتاب (الصداقة والصديق) راداً على مَنْ استغرب صداقته لشخص يسكن ببلاد أخرى، تُعد قصية في حساب قطع المسافات وقتذاك، قال: (الأمكنة في الفلك أشد تضامناً من الخاتم في إصبعك، وليس لها هناك هذا البعد الذي تجده بالمسافة الأرضية من بلد إلى بلد بفراسخ تقطع، وجبال تُعلى، وبحار تخرق).
فما يربط اليهود بعراقهم أكثر من أرض ميعاد أو جنة موعودة، وما حصل كان سبياً صهيونياً واقتلاعاً من الجذور تحقق بفعل قوانين وممارسات لم تكن دولة إسرائيل بعيدة عنها، تكللت بما عرف بالفرهود وإسقاط الجنسية، وبهجرتهم تضرر العراق وتضرروا هم روحياً واجتماعياً، فتحولوا إلى كتل من الحنين المؤذي،حتى غدوا يعيشون على الماضي وذكرياته.
وبالنسبة للعراق كانوا طائفة منتجة في مجال الصناعة والمال والفن، وكان وجودهم يحقق التوازن الاجتماعي، فقد بدأ هذا البلد متنوعاً وظل هكذا رغم الهزات العنيفة التي تعرضت لها طوائفه كافة، وتبدو تسمية مخلفات اليهود المالية بالأموال المجمدة نافعة في الإشارة إلى تجميد نشاط حرفي وفني عمره آلاف السنين. جُمد بالعراق ليتحرك بإسرائيل أو بلدان العالم الأخرى، ومن الغرابة بمكان أن يكون الفلسطيني أمين الحسيني مشجعاً لفرهود يهود العراق ومحاصرتهم من أجل دفعهم للهجرة إلى إسرائيل.
وما يخص تاريخ المسيحية بالعراق فقد أشارت الروايات بوضوح إلى دخولها بفعل حركة تبشيرية هادئة، بعيداً عن فتوحات الروم البيزنطيين، وأول المناطق التي تنصرت هي منطقة حدياب، أربيل اليوم. لكن ليس هناك مَنْ ينفي دور الخلافات الرومانية الساسانية في نشوء وصراع المذاهب المسيحية، كالنسطورية واليعقوبية، فقد شجع الساسانيون النسطورية، المرفوضة عند الرومان، في أن تسود ببلاد المشرق. وإذا كانت سيادة المسيحية التامة في الشام بفعل أباطرة الرومان المسيحيين فإن انتشارها وانحسارها في العراق له صلة مباشرة بتقلب الأحوال بين الدولتين. فالمسيحيون العراقيون كانوا يستفيدون من أجواء السلم والحرب على السواء، ففي السلم يتقدم الرومان لحمايتهم كشرط من شروط المهادنة، وفي الحرب يدفعهم الساسانيون إلى المزيد من الخلاف المذهبي مع الكنيسة البيزنطية، مقابل تسهيلات دينية.
عشرون قرناً هو عمر المسيحية ببلاد ما بين النهرين، واجهت خلالها اليسر والعسر تبعاً إلى الظرف السياسي وشخصية الحاكم الفارسي المجوسي أو العربي المسلم، وكثيراً ما كان للنساء والجثالقة دور في سريان التسامح الديني، فما عدا ملوك الحيرة، وعدد من الإمارات في الشمال، لم يحصل أن تبوأ مسيحي الحكم في جهة من جهات العراق.
فإلى جانب فترات الانفراج التي يُعاد خلالها عمران الكنائس، وتقام الطقوس بحرية، تعرض المسيحيون لدورات دموية، فقدوا فيها ما فقدوه من القساوسة والأتباع، بين القتل والارتداد عن الدين بالقوة، وما فقدوه من وثائق تاريخية وممتلكات كنسية نفيسة، ويكاد لا يخلو عصر من العصور من حوادث مريعة ضدهم، وهذه الحال دفعت بالأب إسحاق أرملة السرياني (ت1954) أن يجمع نكبات أهل ملته في القرون المتأخرة على يد أمراء أتراك واغوات كورد، بين دفتي كتاب وسمه بـ (القصارى في نكبات النصارى).
يتوزع المسيحيون العراقيون على الفرق التالية: حسب الدليل العراقي 1936: الكاثوليك الكلدانيون، النساطرة الآشوريون، السريان الكاثوليك، السريان الأرثوذكس، الآباء الكرمليون. وحسب حارث يوسف غنيمة في بحث (الطوائف الدينية في القوانين العراقية) (مجلة بين النهرين 86/1989): الكاثوليك الكلدان، السريان الكاثوليك، اللاتين، الروم الكاثوليك (الملكيون)، السريان الأرثوذكس (اليعاقبة)، الأرمن الكاثوليك، الأرمن الغريغورية، البروتستان.
استكمل الإسلام دخوله العراق خلال ستة أعوام (13-19هـ)، أي بدأ بالاستيلاء على القادسية والمدائن واكتمل بالاستيلاء على جلولاء، ليصبح العراق مركزاً للخلافة الإسلامية أربعة سنوات هي مدة خلافة الإمام علي بن أبي طالب، ثم طوال الخلافة العباسية (132-656هـ) من خلافة أبو العباس السفاح إلى خلافة المستعصم بالله. ومن العراق انطلق الإسلام صوب الشرق حتى وصل بلاد السند (باكستان) والهند وما وراء النهر، والبلاد الإيرانية كافة. وبعد الاجتياح المغولي انقطعت رئاسة الدولة عن الإسلام، رغم أن الحكومة التي ألفها المغول كانت مسلمة، وتركيبتها من المذهب السني.
لكن زعامة الدولة البوذية التي استمرت 38 عاماً حتى إسلام حفيد هولاكو، غازان خان بن آرغون خان بن آباقا خان بن هولاكو خان، لم تسئ للإسلام والمسلمين بعد أن انتهت أيام الاجتياح، ويروي مؤرخ المغول وطبيبهم اليهودي السابق رشيد الدين فضل الله الهمداني هذه اللحظات بالتالي: (إن غازان خان نطق بكلمة التوحيد في أوائل شعبان سنة 694هـ (1294م) بحضور الشيخ صدر الدين إبراهيم بن حمويه، ومعه كافة الأمراء (قيل أسلم معه مئة ألف مغولي) صار الجميع مسلمين، ولقد أقيمت الولائم والأفراح، واشتغل الحاضرون بالعبادة) (جامع التواريخ، تاريخ غازان خان).
مذاهب الإسلام هي الشيعة: يصعب معرفة مؤسس لهذا المذهب على وجه التحديد، لأنه بدأ حركة ظهرت بوادرها بين المسلمين أثناء سقيفة بني ساعدة، عند وفاة النبي محمد مباشرة، ثم تبلورت أكثر عند الالتفاف حول الإمام الحسين بن علي وبعد مقتله، ولعب الإمام جعفر الصادق دوراً كبيراً في بلورتها كمذهب فكري وفقهي، ومنشأ المذهب كما يبدو العراق، والتشيع العراقي يختلف عن التشيع الصفوي الإيراني في العديد من الامور، ففي العراق احتفظ بكيانه الفكري خارج أروقة السلطة بينما أصبح التشيع الإيراني سلطة وما زال، وما يعنيه التداخل بين السلطة والدين أو المذهب، فالأول احتفظ بأصالته العلوية بينما دخلت إلى الثاني هموم الامبراطورية. انقسمت الشيعة في تاريخها إلى عشرات الفرق، ظهر منها الإسماعيليون، والعلويون النصيريون والإمامية، وهو المذهب الشيعي الرئيس بالعراق اليوم. وآخر انفلاق فيها ظهر بين الإخباريين والأصوليين ثم ظهرت الشيخية التي لها وجود ملحوظ بمدينة البصرة اليوم.
وانقسم الإسلام السنّي، من الناحية الفقهية والفكرية، إلى تيارين رئيسين، هما أهل الرأي، وأهل الحديث. وتبلور المذهب الاول من مقالات الإمام أبي حنيفة النعمان (150هـ) الممتدة إلى خلفية فقهية كان روادها عبد الله بن مسعود (ت32هـ) وإبراهيم النخعي (ت96هـ) وحماد بن أبي سليمان(ت120هـ)، والأخير كان أستاذاً لأبي حنيفة مدة 18 عاماً، والمشترك بين هؤلاء أنهم مقلون في رواية الحديث، وبالتالي يتقدم عندهم الرأي على النص. انتشر المذهب الحنفي بالعراق بعد تبوؤ قاضي القضاة أبي يوسف منصب القضاء زمن المهدي وقيل زمن الرشيد، وظل مذهباً للدولة العباسية لم ينافسه مذهب آخر حتى ظهر المذهب الشافعي، وعلى ما اعتقد أنه أكثر المذاهب قدرة على الانفتاح، ولديه أحكام مريحة لأهل الأديان الأخرى وللمرأة والحرية الاجتماعية، ولا زال يؤلف الأغلبية السنّية بين عرب وتركمان العراق.
وتمثل أهل الحديث بالعراق بالمذهبين الشافعي والحنبلي. أنشأ المذهب الأول الإمام محمد بن إدريس الشافعي (ت204هـ)، وكان إلى حد ما يمثل الوسط بين أهل الحديث وأهل الرأي، وأخذ ينتشر بالعراق على يد القضاة الشافعيين، ونصره أصحاب الحديث كثيراً، وفي مقدمتهم الإمام أحمد بن حنبل. وينقل عن الشافعي أنه قال: (سُميت ببغداد ناصر الحديث) (ابن عساكر، تاريخ دمشق، 51 ص 343). والنصرة عادة تعني أن هناك هزيمة، وهذا ما تعرض له أهل الحديث على يد أهل الرأي والمعتزلة. فما كان يخشاه هؤلاء خسارة ما حققوه في ظل خلافة هارون الرشيد، مثل إبعاد البرامكة وإلغاء مجالس المناظرات التي كان يرعاها الوزير جعفر بن خالد البرمكي، يُضاف إلى ذلك قدرة المذهب المنافس، المذهب الحنفي، على دعم الحركة العقلية والفرق الكلامية، لذا أصبح الحنفيون قريبين من الاعتزال في أُصول الدين، بينما أتخذ الشافعيون مقالات الأشعري أُصولاً، وما فيها من تراجع عن الاعتزال الذي كان يتبناه المتكلم المذكور، حتى أصبح من المتعذر، أيام السلاجقة، الفصل بين الشافعي والأشعري، لذا أصبحت مدارس الفقه الشافعي مكاناً للتبشير بمقالات الأشاعرة.
قال أبو العلاء المعري في نقد اتباع مدرسة الحديث وتقليد النص:
وينفر عقلي مُغضـباً إن تركته
سدىً واتبعت الشافعي ومالكا
بلغ المذهب الشافعي أوج مجده زمن سلطنة السلاجقة ببغداد، وقد تحول هؤلاء الحنفيون بالأصل إلى الشافعية عبر وزيرهم نظام المُلك (ت485هـ)، الذي جعل مدرسته النظامية مغلقة للمذهب الشافعي والأشعري. حالياً، المنطقة الكوردية قاطبة على المذهب الشافعي، ومَنْ تواجد من التركمان بأربيل شوافع أيضاً، وكذلك سامراء ومناطق من غربي العراق تعتقد بهذا المذهب، وكانت شط العرب تعتقد المذهب الشافعي.
لفترة طويلة لم تتبلور آراء ابن حنبل مذهباً فقهياً، وظلت أقرب إلى الحركة أو التيار من المذهب، لكن التمسك بالنصوص والأشخاص والعودة إلى الأُصول أو السلف المؤثرة في مزاج العامة جلبت لابن حنبل والحنابلة عموماً كثرة الأتباع من الغوغاء، فكان لهم وجود مؤثر في الحياة السياسية، حتى اضطر بعض الخلفاء إلى تملق الحنابلة، واشتهرت ببغداد الفتن بين الشافعية وبين الحنابلة، ووصل الأمر إلى العراك بالآجر. وكان الاختلاف الفكري الذي لم تدركه العامة بين الأشاعرة والحنابلة حول الصفات، مع أن أبا الحسن الأشعري جعل نفسه من اتباع ابن حنبل في قضية الصفات ورفض مقالة خلق القرآن.
كان المذهب الحنبلي الذي تطور على يد ابن تيمية ثم ابن قيم الجوزية، ووصل إلى قمة تشدده على الشيخ محمد بن عبد الوهاب، إلى مصاف الفقه مذهب حديث لا فقه، وإمامه محدث لا فقيه، هذا ما ذهب إليه المؤرخ والمفسر محمد بن جرير الطبري، وحصل ما حصل له من قبل العامة. لم يستمر المذهب الحنبلي ببغداد ولا بمدن العراق الأخرى ماعدا منطقة الزبير على مشارف الصحراء، فلم ينجح الشيخ ابن عبد الوهاب في بث دعوته بالبصرة قبل بثها بنجد، وكان قد درس ببغداد.
أما الكاكائية، فهي بالأصل فرقة جمعت بين التصوف والتشيع إلى حد العلي إلهية، وللاسم علاقة بالكلمة الكوردية كاكا، أي الأخ الأكبر، أي لها علاقة ما بظاهرة الفتوة. وفي رأي آخر، كانت (الكاكائية بالأصل طريقة صوفية سواء من ناحية التنظيم أو المنشأ التاريخي) (خورشيد، العشائر الكوردية، ص 89)، مؤسسها هو سلطان اسحق بن عيسى البرزنجي. جاء ذلك مطابقاً لما قاله المستشرق الروسي فلاديمير مينورسكي حول العلي إلهية: (وأما كشف الأسرار، فلم يتم في عهد ألوهية علي، وإنما بعده، فقد حدث في عصر بابا خوشين والسلطان اسحق، ومما تجدر الإشارة إليه هو أن الألوهية ـ في نظرهم ـ قد رضخت إلى رئيس الملائكة التي كانت تقترن بها) (الأكراد ملاحظات وانطباعات، ص81). وهذا ما يؤكد تأثيرات أيزيدية في طقوسهم، تتواجد الكاكائية بكركوك والموصل ومناطق من السليمانية وأربيل بعيداً بين الجبال.
لم أتكلم عن الشبك، لأنهم قبيلة كوردية، منها السنة ومنها الشيعة، وما حبره فيهم أحمد حامد الصراف في كتاب (الشبك) غير مقنع، لأنه حكاية عن شخص لا بحث في قوامهم وتركيبهم.
المندائية ديانة ذات أُصول عراقية، لكن لا يمنع ذلك من تواجد فرقة منها مثل الأسينيين بفلسطين وأخرى بحران، لذا من الصعوبة أن نتحدث عن هجرات مندائية، وإن كان الاعتقاد الديني ولا يزال أنهم جاؤوا من جزيرة سندريت بسيلان الهندية في سفينة يقودها سام بن نوح. وسندريت حسب المصادر الإسلامية أنها جبل هبط عليه آدم، وهو (همزة وصل بين السماء والأرض). تختلف إحصاءات المندائيين من فترة إلى أخرى، لكن الذي يطمأن له اليوم أنهم يعدون مئة ألف نسمة، منهم خمسة وعشرون ألفاً بالأهواز وخمسة وعشرون ألفاً أخرى خارج العراق، وخمسون ألفاً داخل العراق، النسبة الأكبر منهم ببغداد ثم البصرة ثم العمارة.
ديانة أخرى اشتبكت المصادر حول أُصولها، فمثلما ابتلي المندائيون برواية أنهم نصارى منحرفون ابتلي الأيزيديون برواية أنهم مسلمون مرتدون، يحل تأديبهم أو قتلهم، وبهذه الحجة وغيرها صدرت فتاوى قتل عديدة ضدهم. يبدو أن أول مصدر إسلامي ذكرهم هو كتاب (الأنساب) لعبد الكريم السمعاني (القرن السادس الهجري)، وقد لفظ اسمهم باليزيدية، فسار الآخرون عقبه في هذه التسمية. معروف أن مضارب الأيزيدية هي الموصل ودهوك، ويقع معبدهم في وادي لالش المقدس. لا أظنهم يؤمنون بوجود كائن يدعى الشيطان. قال لي أحد شيوخهم وأنا أقلب ناظري في سقف المعبد: (نحن من أتباع النبي إبراهيم، وهذه الكتب ليست كتبنا الحقيقية وإنما لفقت في فترة من الفترات، ونحن لا نؤمن بوجود الشيطان، وإنما هو الله الواحد للخير والشر). فهم أيزيدون أي إلهيون أتباع الله أيزيد أو يزدان حسب لسانهم.
تأثرت طقوس الأيزيديين بطقوس الأديان الأخرى، فكانوا متأثرين على الدوام، ذاك لقلتهم وبداوتهم وحداثة كتابيهما المقدسين (مصحف رش) و(الجلوة) نسبة إلى قدم الكتب الدينية الأخرى، بعد فقدان كتبهم الأصلية حسب ما يقال، إضافة إلى تقوقعهم في البيئة الجبلية واستقبالهم لزائرين من الأديان المختلفة. لكنهم أخضعوا الطقوس التي تأثروا بها لعقائدهم التي تبدو قديمة جداً. تناقضت الآراء حول تاريخهم وطقوسهم رغم أن أغلب الذين كتبوا عنهم قاموا بزيارتهم والاختلاط بهم، وكثير منهم حضر شعيرتهم الكبرى المتمثلة في مهرجان السناجق السبعة.
وفيما يخص تسميتهم، يصر الآخرون كباحثين ودوائر رسمية على تسميتهم باليزيديين، رغم تأكيد عدم الصلة بأي يزيد كيزيد بن معاوية أو يزيد بن أنيسة أو يزيد بن عنيزة (قيل أن شيخ عدي كان يمثله)، وتبدو هذه التسمية محرفة عن الإيزيدية لسهولة التلفظ بها من جهة ومن جهة أخرى لرسوخ الاعتقاد الخاطئ حول صلتهم بيزيد بن معاوية. يربو عددهم اليوم على نصف مليون نسمة. أما حكاية أصلهم العربي أو الأموي فلا أصل لها على الإطلاق.
كانت هذه الخاصية حاضرة في ذهنية الساسة العراقيين ورجال الدين في العصر الحديث، ففي حزيران 1920، أوان ثورة العشرين (استقبل وفد يقوده جعفر أبو التمن (أحد وجهاء الشيعة البغداديين) ويضم شباباً من السنّة والشيعة، موكباً مسيحياً كان في طريقه إلى أحد الكنائس للاحتفال بعيد الجسد، فنثروا الورود ورشوا الماء المعطر على الموكب وهتفوا: عاش مجد سيدنا المسيح، عاش إخواننا المسيحيون.. عاشت الوحدة العراقية، عاشت الوحدة الوطنية) (عوني فرسخ، الأقليات في التاريخ العربي، ص، 383 عن وميض نظمي، الجذور السياسية والفكرية والاجتماعية للحركة القومية في العراق، ص365). فكان جواب المسيحيين: (عاش إخواننا المسلمون، عاش العرب).
واستعداداً لتشكيل الدولة الحديثة والعيش بتجاور مريح حرصت كل الأطراف على المشاركة في الأعياد الدينية، ووزعت منشورات في أيار (مايو) من السنة نفسها ببغداد والموصل على المسيحيين واليهود (تؤكد على وحدة وأخوة كافة الطوائف العراقية وتدعوها باسم الوطن الواحد والمصير الواحد إلى الاتحاد مع المسلمين لتحقيق استقلال العراق). وتشكل المجلس التأسيسي العراقي العام 1924 على أساس التكاتف بين كل الأديان والمذاهب، فحزب واحد جمع بين مولود مخلص السنُّي وجعفر أبو التمن الشيعي. وأن القساوسة أوصوا بعدم المشاركة في انتخابات المجلس التأسيسي بالموصل تضامناً مع علماء الشيعة بكربلاء والنجف والكاظمية. ووجهاء من أهل السنة رجال دين وشيوخ عشائر، وسياسيين مثل مولد مخلص، وصولوا كربلاء تضامناً ودفاعاً عنها ضد حملات الإخوان من الجزيرة.
حدد هذا التعايش فيما بعد بقوانين رسمية، من هذه القوانين حسب الجريدة الرسمية: يعاقب بالسجن مَنْ: أساء لشعائر طائفة دينية، أو عطل إقامتها، أو خرب أو دنس بناية خاصة بالعبادة، أو تجاوز على حرمة دينية، أو نشر كتاباً مقدساً لطائفة دينية بعد تحريف نصه وتشويه معناه، أو أهان علناً رمزاً أو شخصاً مقدساً، أو سخر من طقس ديني. يراد لهذه القوانين أن تشدد أكثر وأن تدخل فيها منع التبشير الديني عن طريق الإغراء والترهيب، وأن تشدد في العقوبة فحدها الأعلى الحبس ثلاث سنوات لا أجده كافياً.
r_alkhayoun@hotmail.com
طلال فؤاد حنوكة ايشوعي- عدد الرسائل : 1971
العمر : 63
تاريخ التسجيل : 31/03/2010
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت فبراير 17, 2024 4:02 am من طرف Jo Hermiz
» رمش عيد ختان الرب 2022
الخميس فبراير 15, 2024 3:09 pm من طرف Jo Hermiz
» الجمعة الرابعة من السوبارا
الأربعاء فبراير 14, 2024 5:43 pm من طرف Jo Hermiz
» تشبوحتا
الخميس سبتمبر 01, 2022 3:32 pm من طرف Jo Hermiz
» شبح لالاها معشنان
الثلاثاء مايو 03, 2022 5:20 am من طرف Jo Hermiz
» تشبوحتا دمثأمرا بسهرة الحش يوم خميس الفصح بعد الانجيل
الجمعة أبريل 15, 2022 3:04 pm من طرف Jo Hermiz
» شليحا دعيذا قديشا دقيمتيه دمارن
الخميس أبريل 14, 2022 3:09 pm من طرف Jo Hermiz
» قريانا دعيذا قديشا دقيمتيه دمارن
الأربعاء أبريل 13, 2022 3:48 pm من طرف Jo Hermiz
» قولاسى دقوداشا تليثايا تسجيل جديد
الأربعاء أبريل 13, 2022 3:06 pm من طرف Jo Hermiz