بحـث
المواضيع الأخيرة
«طُوبَى لِصَانِعِي ٱلسَّلاَمِ»
النوفلي :: المواضيع الدينية :: عظات
صفحة 1 من اصل 1
«طُوبَى لِصَانِعِي ٱلسَّلاَمِ»
(متى 5: 9 أ)
يقول المثل: الولد سر أبيه، أي انه يشبه أباه في تصرفاته. ولما كان الله باراً وقدوساً فالمولود منه ينبغي ان يكون على صورته في البر وقداسة الحق. هكذا قال الله: في البدء «نَعْمَلُ ٱلإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا» (تكوين 1: 26). وأيضا لما كان الله في المسيح رئيس السلام فالمولود منه يكون صانع سلام.
يعلمنا الرسول بولس ان المسيح جاء الى العالم ليخلق في نفسه إنساناً جديداً صانعاً سلاماً. وقد عرف بالاختبار ان قبول المسيح بالإيمان هو الوسيلة الوحيدة لتكوين مجتمع يسكن فيه البر، ويسود فيه السلام، إذ يكونه من وحدات حية هي الخلائق الجديدة كما هو مكتوب: ان كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة. هذه الخلائق الجديدة لا محل فيها للخلاف الذي توجده الجنسية ولا وجود فيها للعداء الذي يسببه اللون. ولا مكان فيها للمشاحنة التي يوجدها التعصب الطائفي. لأن المسيح بروحه الساكن فيها جعلها خلائق حية طاهرة مسالمة، مترفقة مذعنة مملوءة رحمة وأثمارا صالحة عديمة الريب والرياء.. هذه الخلائق تحيا كجسد واحد رأسه المسيح، وكل عضو فيها يصير للآخر لأنه بالمسيح يحيا ويتحرك ويوجد.
المسيح سلامنا قال الرسول بولس، لأنه قدم ذاته ذبيحة فداء ليصالحنا مع الله. اذ نقرأ في الرسائل ان الله به صالح الكل لنفسه. «أَيْ إِنَّ اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ» (2كورنثوس 5: 19). هذا هو القدوس البار، الذي ما ان نقبله بالإيمان نتبرر ويصير لنا سلام مع الله. ومع السلام يغمر حياتنا فرح سماوي لا ينطق به ومجيد. هذا هو فرح الله الذي ما ان ذاقه رجل الله نحميا حتى كتب لنا وصيته الخالدة: «لاَ تَحْزَنُوا، لأَنَّ فَرَحَ الرَّبِّ هُوَ قُوَّتُكُمْ» (نحميا 8: 10).
وكيف لا نفرح والذي صالحنا هو الله، وقد منحنا الرضى واذا أرضت الرب طرق انسان يجعل أيضا اعداءه يسالمونه. ومع الرضى الإلهي يعطيه نعمة وقدرة لكي يصنع السلام.
أولا بالمحبة، التي تتأنى وترفق والمحبة تحفظ وحدانية الروح برباط السلام. قال فرنسوا الاسيزي في صلاته ذات يوم: اللهم اجعلني عاملا للسلام، فحيث تكون الكراهية اعطني ان أبذر بذور المحبة. وحيث تكون الإهانة ان أعمل للصلح، وحيث تكون التفرقة ان أعمل للاتحاد، وحيث يكون الشك ان أشهد للايمان. وحيث يكون اليأس ان أجدد الامل، وحيث يكون الظلام ان أشع نورا، وحيث يكون الحزن أن أنادي بالفرح.
ثانيا بالوداعة والتواضع. قال الرب يسوع «اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ» (متّى 11: 29). القلب الوديع المتواضع عرش يجلس عليه الرب رئيس السلام. وبجلوسه عليه يتلاشى الخبث والرياء والاستكبار والحسد والخصام. كانت مريم أم يعقوب ويوحنا كالكثيرين من اليهود تظن ان يسوع أتى ليقيم مملكة أرضية. فالتمست منه أن يعطي ولديها امتيازا خاصا فيجلس أحدهما الى يمينه والآخر الى يساره. فأثار التماسها الغيرة والحسد في قلوب التلاميذ الآخرين. فكثر الهمس بين التلاميذ ولم يطل الأمر حتى تشاجروا وتشاحنوا.
واني لأتصور بطرس يقول بلهجة الاحتجاج: ما هي ميزة يعقوب ويوحنا؟ ألست أنا الأَولى بالمركز الأول؟ فأنا أكبر الرفاق سناً، وقد لقبني المعلم بالصخرة، فالمركز الاول لا يليق إلا بي. ولعل يوحنا قال: أنا ابن زبدي الشريف ونسيب رئيس الكهنة. والمعلم قربني اليه ولقبني بالحبيب فأنا أليق الكل بالمركز الأول. ولعل متى قال: أنا أجدر الكل لأني في الأصل لاوي وقد كنت رئيساً للعشارين وعندي إلمام بالشؤون الإدراية والمالية. ولهذا انا أصلح الكل لاحتلال المقام الأول. ولعل الآخرين استعرضوا أيضا كفاءاتهم ورأى كل واحد ميزات تخوله التقدم على اخوته. وهكذا صار المركز الاول يشغل أفكارهم ويثير مطامحهم حتى ان السيد الرب وبخهم في أكثر من مناسبة.
فمرة قال لهم: ان أراد أحد بينكم ان يصير عظيما فليكن خادما أولاً. ومرة أوقف ولداً في وسطهم وقال لهم: «اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَرْجِعُوا وَتَصِيرُوا مِثْلَ الأَوْلاَدِ فَلَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ» (متّى 18: 3).. ومرة قال لهم: «إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي» (متّى 16: 24). الى ان كانت الليلة التي أسلم فيها، وكان نقاشهم قد تحول الى المشاجرة، لم ير بدا من اعطائهم درسا عمليا في التواضع ونكران الذات. اذ خلع رداءه واتزر بمنشفة ثم اتى بماء وغسل أرجلهم. ثم قال لهم: انتم تدعونني معلماً وسيداً وحسناً تقولون لأني كذلك. فان كنت وأنا المعلم والسيد قد غسلت أرجلكم فأنتم كم يجب ان يغسل بعضكم أرجل بعض؟!
لكأنه يقرر ان مقياس عظمة الانسان ليس في عدد الذين يخدمونه بل بعدد الذي هو يخدمهم. يا ليتنا نقتدي بمسيحنا ونحمل شعاره القائل: «أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِين» (متّى 20: 28).
قيل ان اللورد كرونمور الثري جدا اذ كان في السادسة والعشرين من عمره، قبل بفخر تعيينه قسا على أفقر كنيسة بلندن. لانه أدرك ان جمال الخدمة وسموها أعظم وأفضل من كل غنى الارض.
قال أحد الأتقياء في صلاته: علمنا يا ربنا الصالح ان نخدمك كما يليق، وأن نعطي دون ان نحسب، وأن نجاهد دون ان نطلب جزاء ولا شكوراً. لنتسربل بالتواضع أيها الأحباء لأن التواضع يتيح لنا الاقتراب من الله. قال القديس أغسطينوس: ان الله وهو الأعلى، ان تواضعت ينحدر اليك. وان ارتفعت يهرب منك. لأنه يتحد مع المتواضعين ويرهب من المستكبرين.
ثالثا بالسماح، فالسماح يشغل المكان الأول من تعليم يسوع، وقد شدد على وجوب المسامحة، اذ أدرجها في الصلاة التي علمنا إياها «وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضًا لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنا (متّى 6: 12). ثم عقب على ذلك بالتأكيد ان غفران خطايانا مرتبط بصفحنا عن اساءات الغير. اذ قال: ان لم تغفروا للناس ذلاتهم لا يغفر لكم أبوكم السماوي ذلاتكم.
«فَإِنْ قَدَّمْتَ قُرْبَانَكَ إِلَى ٱلْمَذْبَحِ، وَهُنَاكَ تَذَكَّرْتَ أَنَّ لأَخِيكَ شَيْئاً عَلَيْكَ، فَٱتْرُكْ هُنَاكَ قُرْبَانَكَ قُدَّامَ ٱلْمَذْبَحِ، وَٱذْهَبْ أَوَّلاً ٱصْطَلِحْ مَعَ أَخِيكَ، وَحِينَئِذٍ تَعَالَ وَقَدِّمْ قُرْبَانَك» (متّى 5: 23 و24). قربان العهد الجديد هو الصلاة والله بحسب قول المسيح لا يقبل هذا القربان من انسان ان لم يصطلح مع أخيه. لان فيها معنى صليب يسوع المسيح الذي غلب الخطية والموت.
ففي ساعة صلبه، حين صرخ «يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ» (لوقا 23: 34)، تحطم قلب اللص المصلوب الى يمينه. لأنه حين سمع هذه العبارة استنار قلبه بالحب الغافر. فعرف ان يسوع المصلوب هو المسيا فادي الخطاة. وأمام هذا الحب الذي ظهر له صرخ اليه: «اذْكُرْنِي يَارَبُّ مَتَى جِئْتَ فِي مَلَكُوتِكَ» (لوقا 23: 42). وكذلكم قائد المئة الوثني المتحجر العاطفة عملت فيه محبة يسوع، فانزاحت الغشاوة عن عينيه، وعرف انه في حضرة الرب. فصرخ قائلا: «حَقًّا كَانَ هذَا ابْنَ اللهِ!» (متّى 27: 54).
«طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللهِ يُدْعَوْنَ» (متّى 5: 9) قال السيد الرب. فعيّن بنوة الله أجرة لصانعي السلام. فلتكن نزعتك يا أخي نزعة سلام، ولتكن أعمالك أعمال سلام. ازرع سلاماً تحصد براً، ويكتب اسمك في سفر الحياة. اذكر فاديك هو رئيس السلام، وفي تجسده ترنمت الملائكة بنشيد السلام «الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ» (لوقا 2: 14) وقد أعلن الكتاب العزيز ان يسوع هو للجميع رسول سلام. اذ نقرأ في أحد أسفاره: «فَجَاءَ وَبَشَّرَكُمْ بِسَلاَمٍ، أَنْتُمُ الْبَعِيدِين» (أفسس 2 17). وحين ودع خاصته قال لهم: «سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ» (يوحنا 14: 27). وعند قيامته قال لهم: سلام لكم «كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ أُرْسِلُكُمْ أَنَا» (يوحنا 20: 21). فهو اذن يأمرنا ان نكون ليس فقط دعاة سلام، بل أيضا صانعي سلام. «طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللهِ يُدْعَوْنَ» (متّى 5: 9).
يقول المثل: الولد سر أبيه، أي انه يشبه أباه في تصرفاته. ولما كان الله باراً وقدوساً فالمولود منه ينبغي ان يكون على صورته في البر وقداسة الحق. هكذا قال الله: في البدء «نَعْمَلُ ٱلإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا» (تكوين 1: 26). وأيضا لما كان الله في المسيح رئيس السلام فالمولود منه يكون صانع سلام.
يعلمنا الرسول بولس ان المسيح جاء الى العالم ليخلق في نفسه إنساناً جديداً صانعاً سلاماً. وقد عرف بالاختبار ان قبول المسيح بالإيمان هو الوسيلة الوحيدة لتكوين مجتمع يسكن فيه البر، ويسود فيه السلام، إذ يكونه من وحدات حية هي الخلائق الجديدة كما هو مكتوب: ان كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة. هذه الخلائق الجديدة لا محل فيها للخلاف الذي توجده الجنسية ولا وجود فيها للعداء الذي يسببه اللون. ولا مكان فيها للمشاحنة التي يوجدها التعصب الطائفي. لأن المسيح بروحه الساكن فيها جعلها خلائق حية طاهرة مسالمة، مترفقة مذعنة مملوءة رحمة وأثمارا صالحة عديمة الريب والرياء.. هذه الخلائق تحيا كجسد واحد رأسه المسيح، وكل عضو فيها يصير للآخر لأنه بالمسيح يحيا ويتحرك ويوجد.
المسيح سلامنا قال الرسول بولس، لأنه قدم ذاته ذبيحة فداء ليصالحنا مع الله. اذ نقرأ في الرسائل ان الله به صالح الكل لنفسه. «أَيْ إِنَّ اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ» (2كورنثوس 5: 19). هذا هو القدوس البار، الذي ما ان نقبله بالإيمان نتبرر ويصير لنا سلام مع الله. ومع السلام يغمر حياتنا فرح سماوي لا ينطق به ومجيد. هذا هو فرح الله الذي ما ان ذاقه رجل الله نحميا حتى كتب لنا وصيته الخالدة: «لاَ تَحْزَنُوا، لأَنَّ فَرَحَ الرَّبِّ هُوَ قُوَّتُكُمْ» (نحميا 8: 10).
وكيف لا نفرح والذي صالحنا هو الله، وقد منحنا الرضى واذا أرضت الرب طرق انسان يجعل أيضا اعداءه يسالمونه. ومع الرضى الإلهي يعطيه نعمة وقدرة لكي يصنع السلام.
أولا بالمحبة، التي تتأنى وترفق والمحبة تحفظ وحدانية الروح برباط السلام. قال فرنسوا الاسيزي في صلاته ذات يوم: اللهم اجعلني عاملا للسلام، فحيث تكون الكراهية اعطني ان أبذر بذور المحبة. وحيث تكون الإهانة ان أعمل للصلح، وحيث تكون التفرقة ان أعمل للاتحاد، وحيث يكون الشك ان أشهد للايمان. وحيث يكون اليأس ان أجدد الامل، وحيث يكون الظلام ان أشع نورا، وحيث يكون الحزن أن أنادي بالفرح.
ثانيا بالوداعة والتواضع. قال الرب يسوع «اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ» (متّى 11: 29). القلب الوديع المتواضع عرش يجلس عليه الرب رئيس السلام. وبجلوسه عليه يتلاشى الخبث والرياء والاستكبار والحسد والخصام. كانت مريم أم يعقوب ويوحنا كالكثيرين من اليهود تظن ان يسوع أتى ليقيم مملكة أرضية. فالتمست منه أن يعطي ولديها امتيازا خاصا فيجلس أحدهما الى يمينه والآخر الى يساره. فأثار التماسها الغيرة والحسد في قلوب التلاميذ الآخرين. فكثر الهمس بين التلاميذ ولم يطل الأمر حتى تشاجروا وتشاحنوا.
واني لأتصور بطرس يقول بلهجة الاحتجاج: ما هي ميزة يعقوب ويوحنا؟ ألست أنا الأَولى بالمركز الأول؟ فأنا أكبر الرفاق سناً، وقد لقبني المعلم بالصخرة، فالمركز الاول لا يليق إلا بي. ولعل يوحنا قال: أنا ابن زبدي الشريف ونسيب رئيس الكهنة. والمعلم قربني اليه ولقبني بالحبيب فأنا أليق الكل بالمركز الأول. ولعل متى قال: أنا أجدر الكل لأني في الأصل لاوي وقد كنت رئيساً للعشارين وعندي إلمام بالشؤون الإدراية والمالية. ولهذا انا أصلح الكل لاحتلال المقام الأول. ولعل الآخرين استعرضوا أيضا كفاءاتهم ورأى كل واحد ميزات تخوله التقدم على اخوته. وهكذا صار المركز الاول يشغل أفكارهم ويثير مطامحهم حتى ان السيد الرب وبخهم في أكثر من مناسبة.
فمرة قال لهم: ان أراد أحد بينكم ان يصير عظيما فليكن خادما أولاً. ومرة أوقف ولداً في وسطهم وقال لهم: «اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَرْجِعُوا وَتَصِيرُوا مِثْلَ الأَوْلاَدِ فَلَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ» (متّى 18: 3).. ومرة قال لهم: «إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي» (متّى 16: 24). الى ان كانت الليلة التي أسلم فيها، وكان نقاشهم قد تحول الى المشاجرة، لم ير بدا من اعطائهم درسا عمليا في التواضع ونكران الذات. اذ خلع رداءه واتزر بمنشفة ثم اتى بماء وغسل أرجلهم. ثم قال لهم: انتم تدعونني معلماً وسيداً وحسناً تقولون لأني كذلك. فان كنت وأنا المعلم والسيد قد غسلت أرجلكم فأنتم كم يجب ان يغسل بعضكم أرجل بعض؟!
لكأنه يقرر ان مقياس عظمة الانسان ليس في عدد الذين يخدمونه بل بعدد الذي هو يخدمهم. يا ليتنا نقتدي بمسيحنا ونحمل شعاره القائل: «أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِين» (متّى 20: 28).
قيل ان اللورد كرونمور الثري جدا اذ كان في السادسة والعشرين من عمره، قبل بفخر تعيينه قسا على أفقر كنيسة بلندن. لانه أدرك ان جمال الخدمة وسموها أعظم وأفضل من كل غنى الارض.
قال أحد الأتقياء في صلاته: علمنا يا ربنا الصالح ان نخدمك كما يليق، وأن نعطي دون ان نحسب، وأن نجاهد دون ان نطلب جزاء ولا شكوراً. لنتسربل بالتواضع أيها الأحباء لأن التواضع يتيح لنا الاقتراب من الله. قال القديس أغسطينوس: ان الله وهو الأعلى، ان تواضعت ينحدر اليك. وان ارتفعت يهرب منك. لأنه يتحد مع المتواضعين ويرهب من المستكبرين.
ثالثا بالسماح، فالسماح يشغل المكان الأول من تعليم يسوع، وقد شدد على وجوب المسامحة، اذ أدرجها في الصلاة التي علمنا إياها «وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضًا لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنا (متّى 6: 12). ثم عقب على ذلك بالتأكيد ان غفران خطايانا مرتبط بصفحنا عن اساءات الغير. اذ قال: ان لم تغفروا للناس ذلاتهم لا يغفر لكم أبوكم السماوي ذلاتكم.
«فَإِنْ قَدَّمْتَ قُرْبَانَكَ إِلَى ٱلْمَذْبَحِ، وَهُنَاكَ تَذَكَّرْتَ أَنَّ لأَخِيكَ شَيْئاً عَلَيْكَ، فَٱتْرُكْ هُنَاكَ قُرْبَانَكَ قُدَّامَ ٱلْمَذْبَحِ، وَٱذْهَبْ أَوَّلاً ٱصْطَلِحْ مَعَ أَخِيكَ، وَحِينَئِذٍ تَعَالَ وَقَدِّمْ قُرْبَانَك» (متّى 5: 23 و24). قربان العهد الجديد هو الصلاة والله بحسب قول المسيح لا يقبل هذا القربان من انسان ان لم يصطلح مع أخيه. لان فيها معنى صليب يسوع المسيح الذي غلب الخطية والموت.
ففي ساعة صلبه، حين صرخ «يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ» (لوقا 23: 34)، تحطم قلب اللص المصلوب الى يمينه. لأنه حين سمع هذه العبارة استنار قلبه بالحب الغافر. فعرف ان يسوع المصلوب هو المسيا فادي الخطاة. وأمام هذا الحب الذي ظهر له صرخ اليه: «اذْكُرْنِي يَارَبُّ مَتَى جِئْتَ فِي مَلَكُوتِكَ» (لوقا 23: 42). وكذلكم قائد المئة الوثني المتحجر العاطفة عملت فيه محبة يسوع، فانزاحت الغشاوة عن عينيه، وعرف انه في حضرة الرب. فصرخ قائلا: «حَقًّا كَانَ هذَا ابْنَ اللهِ!» (متّى 27: 54).
«طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللهِ يُدْعَوْنَ» (متّى 5: 9) قال السيد الرب. فعيّن بنوة الله أجرة لصانعي السلام. فلتكن نزعتك يا أخي نزعة سلام، ولتكن أعمالك أعمال سلام. ازرع سلاماً تحصد براً، ويكتب اسمك في سفر الحياة. اذكر فاديك هو رئيس السلام، وفي تجسده ترنمت الملائكة بنشيد السلام «الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ» (لوقا 2: 14) وقد أعلن الكتاب العزيز ان يسوع هو للجميع رسول سلام. اذ نقرأ في أحد أسفاره: «فَجَاءَ وَبَشَّرَكُمْ بِسَلاَمٍ، أَنْتُمُ الْبَعِيدِين» (أفسس 2 17). وحين ودع خاصته قال لهم: «سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ» (يوحنا 14: 27). وعند قيامته قال لهم: سلام لكم «كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ أُرْسِلُكُمْ أَنَا» (يوحنا 20: 21). فهو اذن يأمرنا ان نكون ليس فقط دعاة سلام، بل أيضا صانعي سلام. «طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللهِ يُدْعَوْنَ» (متّى 5: 9).
طلال فؤاد حنوكة ايشوعي- عدد الرسائل : 1971
العمر : 63
تاريخ التسجيل : 31/03/2010
مواضيع مماثلة
» هٰكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: قِفُوا عَلَى ٱلطُّرُقِ وَٱنْظُرُوا،
» «هٰكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: قِفُوا عَلَى ٱلطُّرُقِ وَٱنْظُرُوا،
» لأَنَّ لِيَ ٱلْحَيَاةَ هِيَ ٱلْمَسِيحُ وَٱلْمَوْتُ
» شَهْوَةً ٱشْتَهَيْتُ أَنْ آكُلَ هٰذَا ٱلْفِصْحَ مَعَكُمْ
» «هُوَذَا ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ بِقُوَّةٍ يَأْتِيُ» (اشعياء 40:
» «هٰكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: قِفُوا عَلَى ٱلطُّرُقِ وَٱنْظُرُوا،
» لأَنَّ لِيَ ٱلْحَيَاةَ هِيَ ٱلْمَسِيحُ وَٱلْمَوْتُ
» شَهْوَةً ٱشْتَهَيْتُ أَنْ آكُلَ هٰذَا ٱلْفِصْحَ مَعَكُمْ
» «هُوَذَا ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ بِقُوَّةٍ يَأْتِيُ» (اشعياء 40:
النوفلي :: المواضيع الدينية :: عظات
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت فبراير 17, 2024 4:02 am من طرف Jo Hermiz
» رمش عيد ختان الرب 2022
الخميس فبراير 15, 2024 3:09 pm من طرف Jo Hermiz
» الجمعة الرابعة من السوبارا
الأربعاء فبراير 14, 2024 5:43 pm من طرف Jo Hermiz
» تشبوحتا
الخميس سبتمبر 01, 2022 3:32 pm من طرف Jo Hermiz
» شبح لالاها معشنان
الثلاثاء مايو 03, 2022 5:20 am من طرف Jo Hermiz
» تشبوحتا دمثأمرا بسهرة الحش يوم خميس الفصح بعد الانجيل
الجمعة أبريل 15, 2022 3:04 pm من طرف Jo Hermiz
» شليحا دعيذا قديشا دقيمتيه دمارن
الخميس أبريل 14, 2022 3:09 pm من طرف Jo Hermiz
» قريانا دعيذا قديشا دقيمتيه دمارن
الأربعاء أبريل 13, 2022 3:48 pm من طرف Jo Hermiz
» قولاسى دقوداشا تليثايا تسجيل جديد
الأربعاء أبريل 13, 2022 3:06 pm من طرف Jo Hermiz