بحـث
المواضيع الأخيرة
المصالحة مع الله مدخلاً إلى المصالحة مع الآخر
النوفلي :: المواضيع الدينية :: عظات
صفحة 1 من اصل 1
المصالحة مع الله مدخلاً إلى المصالحة مع الآخر
عن جريدة النهار اللبنانية
نعيش اليوم في عالم يسوده العداء والحسد فباتت الخلافات واقعا تعيشه المجتمعات، وتعاني منه معظم العائلات. السلام أمسى مجرد انشودة والسلام توارى في عالم الاحلام.
يقول الرسول الالهي بولس: "لا تنتقموا لأنفسكم ايها الاحباء، بل اعطوا مكانا للغضب"، فقد ورد في الكتاب المقدس: "قال الرب: لي الانتقام وانا الذي يجازي" (رومية 19:12). اليس الانتقام والجزاء الذي يتكلم عنهما الرب هو العدل الالهي، اي حب وغفران ومصالحة، بينما جزاء الانسان هو الانتقام وبطريقة شرسة وشريرة؟
في هذا الضجيج والتخبط بشتى انواع النزاعات والخلافات، يسمع صوت رقيق، يحمل في طياته موجات من الامل، فيعطي للعالم المظلم شعاعات من النور، حاملا اليه رسالة الخلاص الا وهي المصالحة: مصالحة الانسان مع ربه، ومصالحة الانسان مع اخيه الانسان ومع الخليقة.
اذا دخلنا الى عمق الانسان اكتشفنا توقه الى المصالحة مع ذاته، ومع ربه ومع اخيه الانسان، لان المصالحة تجعله انسانا وأخاً حقيقياً لأخيه الانسان.
غير ان الكتاب المقدس يقدم لنا صورة عن المصالحة بشكل سهل او بسيط، فمن طلب المصالحة كان لا بد له أن يحصل عليها بعد منازعات وخلافات تمر في حياة الانسان. مثلا الصراع بين قايين واخيه هابيل.
هذان الاخوان الاولان اختلفا الواحد عن الآخر، ليس بالاسم فقط. (اسم قايين يشير الى ان الرب هو سيد الحياة. فبهذا الاسم اشارة الى ارتباط الحياة بخالق الحياة. اما اسم هابيل فيعني الهباء والدخان. يعني هذا ان هابيل لا يدوم) بل بالمهنة وبعلاقتهما مع الله وايضا بسبب الحسد الذي يقود الاخوين الى التقاتل. مما جعل قايين يقتل اخاه: "فلما كانا في الحقل وثب قايين على هابيل اخيه فقتله "(تكوين 8:4). اذا عملية القتل سريعة. عندها يطرح الله على قايين سؤالا مباشرة: اين هابيل اخوك (تكوين 9:4).
امام هذا السؤال هناك موقف يأخذه الانسان: اما ان يعترف بخطيئته واما ان ينكرها. يختار قايين الكذب ويرفض هذه المسؤولية بالرغم انه يعرف اين اخوه. رفض قايين ان يكون اخا وحارسا لأخيه. "احارس لأخي انا".
من الصعب على الانسان ان يفهم ان احدى طرق التشبه بالله والاقتراب منه، ان يكون الانسان حارسا لأخيه الانسان. قتل قايين لاخيه هابيل، جعل العلاقة مشوهة بين الانسان والله، وبين الانسان واخيه الانسان، لان القتل هو مساس بأقداس المقدسات، وعلى قايين ان يبتعد عن الله، لانه اساء المعاملة مع الله، وبالتالي انفصل عن الله فأصبح في عزلة موحشة بحيث لا يستطيع ان يتحمل عبء الخطيئة، فطلب من الله ان يكون حارسا له: "عقابي اشد من ان يطاق. ومن وجهك استتر وأكون تائها شاردا، فيكون ان كل من يجدني يقتلني" (تكوين 13:4 – 14).
الا ان الله سمع نداءه وهدد كل من يحاول قتله، جاعلا عليه علامة تحرسه من الانتقام، وفي ذلك تعبير عن رحمة الله اللامتناهية على قايين: "لذلك كل من قتل قايين، فسبعة اضعاف يؤخذ بثأره منه" (تكوين 15:4).
هناك ايضا صورة اخرى عن النزاع والمصالحة في الكتاب المقدس تعكسها قصة خلاف الاخوين عيسو ويعقوب اللذين وصلا في آخر المطاف الى المصالحة، بعد عداوة فصلت بينهما وجعلت كل واحد منهما يسعى في قتل الآخر: "فبادر عيسو الى لقائه وعانقه والقى بنفسه على عنقه وقبّله وبكيا" (تكوين 4:33). لقد نال يعقوب رضى عيسو الذي تحول هو ايضا الى انسان جديد. يتعانق الاخوان في سلام عميق حيث خطاب القلب يستبق خطاب اللسان.
لا ننسى صرخة ايوب الشهيرة متسائلا: "ليس بيننا مصالح يضع يده على كلينا". ثم ردّدت صدى هذه الصرخة اجيال واجيال دونما جواب، الى ان تم الزمان، حين ارسل الله ابنه ليضع يده على كلينا "ويصالح الاثنين في جسد واحد مع الله بالصليب قاتلا العداوة به" (افسس 16:2).
غير ان الله اعد البشر لاتمام المصالحة التامة مع ذاته، باظهاره عفوه المتكرر لهم. فكشف بذلك انه "اله الرحمة والرأفة" (خروج 6:34) الذي تنازل من تلقاء ذاته. فعرض الله المصالحة مع شعبه من خلال الطقوس التطهيرية وشرائع العبادة الموسوية التي كانت تهدف في النهاية الى مصالحة الانسان مع الله.
ومع ذلك لن تتم المغفرة التامة لانهم كانوا ينظرون الافضل فجاء يسوع المسيح الذي اتم المصالحة الحقيقية الكاملة والنهائية على الصليب. (افسس 16:2).
اذا اردنا ان نعرف في كلمة واحدة اداة المصالحة التي صالحهما المسيح بها فهي الصليب، الذي الغي به الناموس وهدمت العداوة، فصار اليهود كالامم في المسيح. وبهذا يكون المسيح قد اكمل خلقة الانسان الجديد في جسده انسانا واحدا صانعا سلاما.
وبالتالي يكون الصليب قد صالح الاثنين مع الله في جسد واحد. وهكذا حينما نبلغ المصالحة، يكون المسيح قد اكمل مصالحة العالم لله في وحدة نموذجية تحمل اصعب مصالحة، ويكون الله قد اكمل جمع كل شيء في المسيح، في جسد واحد.
من هنا نفهم انه يستحيل ان يبقى الله في حالة عداوة للانسان، مهما غالى الانسان في عداوته لله، فايجابية الله ستبلغ هدفها للمصالحة وتتخطى كل سلبيات الانسان.
العداوة بالنسبة لله تنصب على الخطية، وبالتالي على الخاطئ، اما المصالحة فهي تنحصر في الخاطئ فقط عندما يخلص من خطيئته، لانه لا تصالح مع الخطية من جهة الله. لهذا تمتنع المصالحة عن الخاطئ طالما خطيئته باقية.
لذلك، يلزم ان تكون المصالحة متبادلة ونابعة عن حقيقة واحتياج من جهة الانسان، وعن رؤية شافية لخطورة بقاء الخطية مستترة وراء الاحساس الكاذب بالمصالحة، لئلا يعيش الانسان في حالة خديعة لا يستيقظ منها الا بعد فوات الاوان ويكون هذا منتهى قصد العدو.
المبادرة للمصالحة جاءت من الله من اجل الخليقة كلها، التي يمثلها الانسان على الارض. وقد هيأ الله لهذه المصالحة المبادرة الفعالية الشاملة، بان جعل في المسيح كل ملء الكيان الالهي، مع كل النعمة والقوة ليكون (الانسان) الذي سبق في آدم ان جلب الغضب والعداوة بالخطية على الانسان والخليقة، هو الذي يرفع حالة الغضب والعداوة، يرفع سببها الوحيد وهو الخطية، وذلك بقبول حكم الموت الواقع على الانسان، ليتبرأ انسان يسوع المسيح ومعه الخليقة ويدخل الكل في حالة مصالحة مع الله.
طلال فؤاد حنوكة ايشوعي- عدد الرسائل : 1971
العمر : 63
تاريخ التسجيل : 31/03/2010
النوفلي :: المواضيع الدينية :: عظات
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت فبراير 17, 2024 4:02 am من طرف Jo Hermiz
» رمش عيد ختان الرب 2022
الخميس فبراير 15, 2024 3:09 pm من طرف Jo Hermiz
» الجمعة الرابعة من السوبارا
الأربعاء فبراير 14, 2024 5:43 pm من طرف Jo Hermiz
» تشبوحتا
الخميس سبتمبر 01, 2022 3:32 pm من طرف Jo Hermiz
» شبح لالاها معشنان
الثلاثاء مايو 03, 2022 5:20 am من طرف Jo Hermiz
» تشبوحتا دمثأمرا بسهرة الحش يوم خميس الفصح بعد الانجيل
الجمعة أبريل 15, 2022 3:04 pm من طرف Jo Hermiz
» شليحا دعيذا قديشا دقيمتيه دمارن
الخميس أبريل 14, 2022 3:09 pm من طرف Jo Hermiz
» قريانا دعيذا قديشا دقيمتيه دمارن
الأربعاء أبريل 13, 2022 3:48 pm من طرف Jo Hermiz
» قولاسى دقوداشا تليثايا تسجيل جديد
الأربعاء أبريل 13, 2022 3:06 pm من طرف Jo Hermiz