بحـث
المواضيع الأخيرة
الجمعة العظيمة "الالم دعوة للاصغاء والعمل"
النوفلي :: المواضيع الدينية :: عظات
صفحة 1 من اصل 1
الجمعة العظيمة "الالم دعوة للاصغاء والعمل"
الجمعة العظيمة
تقديم مواعظ الآلام
"الألم دعوة للإصغاء والعمل"
إن أي اجتماع بشري لكي يحدث، فلابد أن يكون هناك حدثُ ما، يجعل هذه الجماعة تجتمع. البارحة اجتمعنا لنأكل الفصح مع يسوع، واليوم لماذا نحن مجتمعين؟... هل لنتأمل ونشترك في آلام المسيح، أم لنتأمل في ألآمنا نحن في عالمنا اليوم؟ أليس المسيح يصلب فينا من جديد؟
يتصور البعض أنه من الجنون أن يتأمل الإنسان فيما هو مؤلم، وهذا صحيح إن بقينا واقفين عند مستوى الألم والحزن، أي أن نتأمل من أجل الألم لذاته من دون أن نتعلم منه شيئًا جديدًا. أحيانًا ننسى أو نتناسى أن للحياة وجهين وجه الفرح والسعادة، ووجه الألم والحزن، فالألم ليس شيئًا لا إنسانيًا، ولا هو لعنة حلّت بالإنسان، بل محطة نتوقف عندها لنستريح ونصغي وننظر إلى ما حولنا.
إن وقت الألم هو أفضل وقت للتعلُم... واليوم هل سنتعلم شيئًا جديدًا؟.. أم أننا سنعود ونحن نقرع الصدور فقط، مثلما فعلت الجموع الحاضرة عندما صلب المسيح.
موعظة اليوم تتضمن محورين أساسيين في حياتنا وإيماننا المسيحي، المحور الأول هو كيف أن الألم هو دعوة للإصغاء.. والثاني هو أن الألم دعوة للعمل.
لنُصغِ ونعمل مع المسيح وفي المسيح...
الموعظة الأولى
(في أوقات الفرح والسعادة نسمع همسات الله، لكننا في الألم نسمع صوته واضحًا)
يسوع في كل حياته الأرضية، دعا الناس للإصغاء إلى كلمة الله المعلنة على لسان أنبيائه، والمتجسدة فيه، والبعض منهم أصغوا لها والآخر رفضها. ولكن هل أصغوا لكلمة الله فعلاً؟ أم أنهم أصغوا إلى ما كانوا يريدون سماعه فقط، إلى ما يرضي رغباتهم، طموحاتهم، ورؤيتهم الضيقة إلى الحياة. إن الكلمة لم تتجذر فيهم فتخّلوا عنها وعن قائلها في وقت الشدة والضيق.
هكذا فالإنسان المؤمن هو ذلك الإنسان الذي يظل متمسكًا بإيمانه ورجائه حتى في أحلك الظروف وادعاها إلى اليأس، إنما هو الإنسان القوي الذي يعرف كيف ينتصر بقيّمه. فما أعظم الإنسان حين يرتفع فوق آلامه الشخصية، لأن مجده الحقيقي يتجلى حين يتألم (مسرورًا) من أجل الآخرين. فالقوة ليست في انعدام الضعف، بل في تجاوز الضعف.
يسوع ذلك البار المعلق على خشبة، لم يكن مستحقًا كل ذلك الألم والاستهزاء والبصق من قِبل الجُند، وهو لم يكن يتألم جسديًا بقدر ما كان يتألم من الداخل، خصوصًا ترك التلاميذ له، وخيانة يهوذا، فأقسى أنواع الألم يأتينا من الداخل، عندما يتخلى عنك من أحببتَ وعلّمت. إننا نتخلى ونخون المسيح في كل مرة لا نصغي ولا نعمل بما علّمنا إياه.
لقد أصغى يسوع بكل تواضع إلى صوت الله، وخضع لإرادته في بستان الزيتون (جثسيماني)، وخضوعه هذا كافئه عليه الله في البستان نفسه، ففي نفس الليلة جعل الملائكة تخدمه. فعلينا أن ننتبه إلى أن في حياة كل منا بستان زيتون (جثسيماني) خاص به، وكل جثسيماني له ملائكته. فهل سنقبل العمل في البستان، أم نهرب منه كما فعل التلاميذ، وما أكثر الفرص المتاحة لنا للهرب، والمتمثلة بنداءات العالم الزائلة ومغرياته.
بطرس وقع في التجربة لأنه لم يصغي لكلام يسوع، نام في الوقت الذي كان يجب أن يصلي فيه، تكلم في الوقت الذي ينبغي له أن يسمع، افتخر في الوقت الذي فيه كان يجب أن يخاف. لقد أصغى بطرس إلى نفسه، إلى نداء العالم بعيدًا عن صوت الله.. لقد أراد أن يحارب الشر بسلاح غير مناسب، بسلاح لا يجلب إلاّ الشر (السيف)، عوضًا أن يتعلم من معلمه، بأن الانتصار على الشر (الشيطان)، لن يتحقق سوى بسلاح واحد هو كلمة الله، وهذا ما فعله يسوع في البرّية عندما جُرِّب من إبليس، ونحن مدعوين اليوم ليكون لنا نفس السلاح.
أحيانًا نفعل ما لا يرضِ الله لكي نؤيد افتخارنا مثل بطرس، الذي يستخدم السيف ليؤكد ليسوع أنه لن يتركه، ومع ذلك سيتركه لأنه لا يصغِ له... في حياتنا علينا أن نستبدل منطق حب القوة بـ قوة الحب، كمثل يسوع، وسيكون مصيرنا الصليب فهل سنقبل بذلك؟.. لقد كان صوت الديك وسماع بطرس له كفيلاً لإعادته إلى الحب الحقيقي الناضج. فلنتعلم أن نصغي إلى ما يُعيدنا إلى ذواتنا، إلى الديك الذي يجعلنا ننتبه ونرى أين نحن من إيماننا، إلى الصوت الذي يجعلنا نفتخر بصليبنا وليس بسيوفنا، عندها فقط سيُعلن في حياتنا عن بدء يوم جديد.
هذا اليوم الجديد قد وجده بطرس لأنه أصغى. في حين يهوذا فقد حياته كلها، لأنه لم يعرف فعلاً من هو يسوع وأسلمه بقُبلة، وما هي القُبلة: إنها انقباض الفم نتيجة لاتساع وامتلاء القلب.. هي علامة تُعبِّر عن الحب، عن أقصى درجاته. لقد شوّهها يهوذا عندما جعل منها علامة للبغض والكره والحقد والخيانة، التي أدت إلى الموت عوض الحياة. لقد امتلاء قلبه بالشر، لأنه أصغى إلى صوت المجرِّب وعبَّر عن ما في قلبه بتلك القُبلة التي دفع حياته ثمنًا لها. فلا تستطيع أيةُ قوة خارجية مهما كانت، أن تُدمر إنسانًا ما، ما لم يُدمر هو نفسه من الداخل ... فأي أشكال من القوة يوجد في داخلنا، وبماذا يمتلئ قلبنا، وأي نوعٍ من القُبل تُعبِّر عن ما فيّنا؟..
الموعظة الثانية
بالواقع لقـد ارتكب يهوذا ثلاثـة أخطاء 1) تسليمه ليـسوع. 2) نـدم من دون توبة. 3) نظرته الخاطئة إلى يسوع.. حيث يُحضِر معه جُند يحملون العصي، وكأن يسوع المتسامح سيُقابل الشر بالشر، في حين أنه قاوم الشر طيلة حياته بالخير، وهذا ما يدعونا إليه بولس الرسول أيضًا "لا تدع الشر يغلبك، بل أغلب الشر بالخير" (روم21:12). فليس الخير سوى شرٌ تم القضاء عليه.
علينا أن نقرر اليوم، إما أن نعيش حياة التظاهر كيهوذا، أو حاملي سلاح العالم كبطرس، أو خاضعين لإرادة الله كيسوع.. وهل سنستخدم في حياتنا القُبلة أم السيف أم سنقبل الكأس؟!.. نحن مدعوين، لكي ننظر ونتأمل ونصغي إلى ما يقوله لنا صليب يسوع، لأن الصليب ما هو إلاّ ميكروف الله على الأرض لإيقاظ عالم أصم.
نقرأ في رسالة القديس يعقوب "أن الإيمان بدون أعمال ميت" (يع26:2)، فأعمالك تُعبر عن إيمانك، والإنسان البّار هو ذلك الذي يوفّق ما بين إيمانه وأعماله، وهذا ما عمله يسوع فكافؤه بأن علقوه على خشبة الصليب. فأن تعيش إيمانك فهذا يعني أن تكون مستعدًا لتحمّل الآلام "من لا يحمل صليبه ويتبعني لا يستحقني" وهذا يتطلب شجاعًة منك. والشجاعة هي أن تعرف الصواب وتعمله، ومن خلال عملك هذا تحدد مكانك في خارطة الحياة. وبعكسه يكون الجبن الذي هو معرفتك لما هو صواب دون أن تعمله، عندها تفقد مركزيتك في الحياة وتتحول إلى إنسان مهزوز كمثل بيلاطس. حيث نجده في إنجيل يوحنا يخرج سبعة مرات ليُقابل الشعب، ثم كان يرجع ليسأل يسوع، مما يدل على أنه إنسان مهزوز غير حازم، لا يعرف ماذا يعمل.. ونحن اليوم هل نسيطر على بيلاطسنا الداخلي الكامن في أعماق نفوسنا؟.. هل ندرك ما الذي يجب أن نعمله، وما الذي لا يجب أن نعمله. علينا أن نفهم أن في أعماق كل منا يكمن صحفي خدّاع يُلّفق الأنباء، ويُموه الحقائق، ويختلق الشائعات، ويمزج الحق بالباطل.
إضافًة إلى ذلك فإن بيلاطس يُعلن للشعب ثلاث مرات "لا أجد فيه علة تستوجب الموت"، وفي المرة الثالثة بعد أن يجلده، كنا نتوقع أن يصرخ الشعب بوجه بيلاطس ويقول له: "إن كنت لم تجد فيه علة فلماذا جلّدته إذن"، ولكنهم صرخوا بوجه يسوع (ليُصلب..!). ألا نُجلدُ نحن اليوم أيضًا، على يد بيلاطس الجديد الذي يسوّد عالمنا اليوم، من دون أن يكون هناك علة تستوجب هذا؟!. إن كلمات بيلاطس تتناقض مع أعماله وهي أكبر مشكلة تواجه الإنسان... يُسلَّّم يسوع للموت استنادًا لعادة بيلاطس "أن يطلق لهم في كل عيد سجينًا"، مات يسوع محكومًا عليه بعادة وليس بعدالة..! فهل نميز في حياتنا بين أعمالنا وعاداتنا وعدالتنا؟ فلنتأمل في هذا.
الموعظة الثالثة
أن تعمل أعمالاً صالحة فهذا يعني أنك تسير في النور. نور المسيح الذي نصلبه ونهرب منه ونضعه تحت المكيال لا فوقه، لنعمل ما نريده نحن، فليس النور هو الذي غاب عن أعيننا بمقدار ما غابت أعيننا عن النور... هكذا قادة اليهود تصرفوا طبقًا للنور الذي كان لهم، لكن النور الذي فيهم كان ظلامًا. علينا أن نميز أين هو النور الحقيقي، أن نكون حذرين من النور الذي نوقده بإشعالنا قيم الإنسانية، لأنه سيكون ظلامًا لنا كمثل قادة اليهود.
لقد عمل يسوع في حياته الأرضية من أجل خلاص كل البشر، عمل في الجليل واليهودية والسامرة، وشفى ابنة يائيروس، وعبد قائد المائة (الوثني)، عمل بدون تمييز وبمجانية. والإعلان الذي كتبه بيلاطس على خشبة الصليب باللغات العبرية واليونانية واللاتينية ( هذا هو ملك اليهود)، له دلالات عظيمة، فهو يؤكد من جهة شمولية رسالة يسوع الخلاصية، ومن جهة أخرى أن يسوع صلب في مكان يلتقي فيه كثير من اليهود والأمم، فهو مكان عالمي. فالعبرية هي لغة الدين، واليونانية لغة الفلسفة، واللاتينية لغة القانون. وكل هذه اجتمعت لتصلب ابن الله، وما عمله على الصليب عمله من أجل كل العالم، والتي لا تستطيع كل هذه اللغات أن تفهمه... ونحن بأي لغة سنكتب لافتاتنا على خشبة الصليب؟ أتمنى أن تكون لغة الحب التي تكلم وعمل بها يسوع، والتي تعطي الحياة للآخرين..
لقد أنهى الله عمل الخليقة القديمة في ستة أيام. عمل كل ما هو ضروري لكي يستطيع الإنسان الحياة، عمل كل شيء نتيجة للحب ومن أجل الحب، واستراح في اليوم السابع. وبعد ستة ساعات على الصليب أنهى يسوع عمل الخليقة الجديدة، بعد أن زرع فيها الحب والرجاء، واستراح يوم السبت في قبر يوسف الرامي.
إننا ندعوك اليوم يا رب أن تحطم الأصنام التي وضعناها حولنا، أو التي قد يضعها حولنا آخرين، هذه الأصنام التي تقيد مسيحنا، وتصلبه من جديد. قونا يا رب لكي لا نوسع فجوة ما بين مثالية الإيمان وواقعية الحياة، لأننا عندها سنقع في ازدواجية لا نهاية لها.
نسألك يا رب أن تعلمنا الطاعة، على مثال ابنك، اقبلنا في مدرسة الألم، التي فيها تعلم يسوع وحيدك الطاعة، إلى حد الموت على خشبة الصليب... نحن بحاجة إلى أن ينشق حجاب الهيكل من جديد، لندخل إلى حضرتك بفرح الصليب، لكي نكون علامة منظورة أمام كل العالم لحقيقة وجودك.
قوي يا رب ضعفنا...
الاب افرام كليانا
تقديم مواعظ الآلام
"الألم دعوة للإصغاء والعمل"
إن أي اجتماع بشري لكي يحدث، فلابد أن يكون هناك حدثُ ما، يجعل هذه الجماعة تجتمع. البارحة اجتمعنا لنأكل الفصح مع يسوع، واليوم لماذا نحن مجتمعين؟... هل لنتأمل ونشترك في آلام المسيح، أم لنتأمل في ألآمنا نحن في عالمنا اليوم؟ أليس المسيح يصلب فينا من جديد؟
يتصور البعض أنه من الجنون أن يتأمل الإنسان فيما هو مؤلم، وهذا صحيح إن بقينا واقفين عند مستوى الألم والحزن، أي أن نتأمل من أجل الألم لذاته من دون أن نتعلم منه شيئًا جديدًا. أحيانًا ننسى أو نتناسى أن للحياة وجهين وجه الفرح والسعادة، ووجه الألم والحزن، فالألم ليس شيئًا لا إنسانيًا، ولا هو لعنة حلّت بالإنسان، بل محطة نتوقف عندها لنستريح ونصغي وننظر إلى ما حولنا.
إن وقت الألم هو أفضل وقت للتعلُم... واليوم هل سنتعلم شيئًا جديدًا؟.. أم أننا سنعود ونحن نقرع الصدور فقط، مثلما فعلت الجموع الحاضرة عندما صلب المسيح.
موعظة اليوم تتضمن محورين أساسيين في حياتنا وإيماننا المسيحي، المحور الأول هو كيف أن الألم هو دعوة للإصغاء.. والثاني هو أن الألم دعوة للعمل.
لنُصغِ ونعمل مع المسيح وفي المسيح...
الموعظة الأولى
(في أوقات الفرح والسعادة نسمع همسات الله، لكننا في الألم نسمع صوته واضحًا)
يسوع في كل حياته الأرضية، دعا الناس للإصغاء إلى كلمة الله المعلنة على لسان أنبيائه، والمتجسدة فيه، والبعض منهم أصغوا لها والآخر رفضها. ولكن هل أصغوا لكلمة الله فعلاً؟ أم أنهم أصغوا إلى ما كانوا يريدون سماعه فقط، إلى ما يرضي رغباتهم، طموحاتهم، ورؤيتهم الضيقة إلى الحياة. إن الكلمة لم تتجذر فيهم فتخّلوا عنها وعن قائلها في وقت الشدة والضيق.
هكذا فالإنسان المؤمن هو ذلك الإنسان الذي يظل متمسكًا بإيمانه ورجائه حتى في أحلك الظروف وادعاها إلى اليأس، إنما هو الإنسان القوي الذي يعرف كيف ينتصر بقيّمه. فما أعظم الإنسان حين يرتفع فوق آلامه الشخصية، لأن مجده الحقيقي يتجلى حين يتألم (مسرورًا) من أجل الآخرين. فالقوة ليست في انعدام الضعف، بل في تجاوز الضعف.
يسوع ذلك البار المعلق على خشبة، لم يكن مستحقًا كل ذلك الألم والاستهزاء والبصق من قِبل الجُند، وهو لم يكن يتألم جسديًا بقدر ما كان يتألم من الداخل، خصوصًا ترك التلاميذ له، وخيانة يهوذا، فأقسى أنواع الألم يأتينا من الداخل، عندما يتخلى عنك من أحببتَ وعلّمت. إننا نتخلى ونخون المسيح في كل مرة لا نصغي ولا نعمل بما علّمنا إياه.
لقد أصغى يسوع بكل تواضع إلى صوت الله، وخضع لإرادته في بستان الزيتون (جثسيماني)، وخضوعه هذا كافئه عليه الله في البستان نفسه، ففي نفس الليلة جعل الملائكة تخدمه. فعلينا أن ننتبه إلى أن في حياة كل منا بستان زيتون (جثسيماني) خاص به، وكل جثسيماني له ملائكته. فهل سنقبل العمل في البستان، أم نهرب منه كما فعل التلاميذ، وما أكثر الفرص المتاحة لنا للهرب، والمتمثلة بنداءات العالم الزائلة ومغرياته.
بطرس وقع في التجربة لأنه لم يصغي لكلام يسوع، نام في الوقت الذي كان يجب أن يصلي فيه، تكلم في الوقت الذي ينبغي له أن يسمع، افتخر في الوقت الذي فيه كان يجب أن يخاف. لقد أصغى بطرس إلى نفسه، إلى نداء العالم بعيدًا عن صوت الله.. لقد أراد أن يحارب الشر بسلاح غير مناسب، بسلاح لا يجلب إلاّ الشر (السيف)، عوضًا أن يتعلم من معلمه، بأن الانتصار على الشر (الشيطان)، لن يتحقق سوى بسلاح واحد هو كلمة الله، وهذا ما فعله يسوع في البرّية عندما جُرِّب من إبليس، ونحن مدعوين اليوم ليكون لنا نفس السلاح.
أحيانًا نفعل ما لا يرضِ الله لكي نؤيد افتخارنا مثل بطرس، الذي يستخدم السيف ليؤكد ليسوع أنه لن يتركه، ومع ذلك سيتركه لأنه لا يصغِ له... في حياتنا علينا أن نستبدل منطق حب القوة بـ قوة الحب، كمثل يسوع، وسيكون مصيرنا الصليب فهل سنقبل بذلك؟.. لقد كان صوت الديك وسماع بطرس له كفيلاً لإعادته إلى الحب الحقيقي الناضج. فلنتعلم أن نصغي إلى ما يُعيدنا إلى ذواتنا، إلى الديك الذي يجعلنا ننتبه ونرى أين نحن من إيماننا، إلى الصوت الذي يجعلنا نفتخر بصليبنا وليس بسيوفنا، عندها فقط سيُعلن في حياتنا عن بدء يوم جديد.
هذا اليوم الجديد قد وجده بطرس لأنه أصغى. في حين يهوذا فقد حياته كلها، لأنه لم يعرف فعلاً من هو يسوع وأسلمه بقُبلة، وما هي القُبلة: إنها انقباض الفم نتيجة لاتساع وامتلاء القلب.. هي علامة تُعبِّر عن الحب، عن أقصى درجاته. لقد شوّهها يهوذا عندما جعل منها علامة للبغض والكره والحقد والخيانة، التي أدت إلى الموت عوض الحياة. لقد امتلاء قلبه بالشر، لأنه أصغى إلى صوت المجرِّب وعبَّر عن ما في قلبه بتلك القُبلة التي دفع حياته ثمنًا لها. فلا تستطيع أيةُ قوة خارجية مهما كانت، أن تُدمر إنسانًا ما، ما لم يُدمر هو نفسه من الداخل ... فأي أشكال من القوة يوجد في داخلنا، وبماذا يمتلئ قلبنا، وأي نوعٍ من القُبل تُعبِّر عن ما فيّنا؟..
الموعظة الثانية
بالواقع لقـد ارتكب يهوذا ثلاثـة أخطاء 1) تسليمه ليـسوع. 2) نـدم من دون توبة. 3) نظرته الخاطئة إلى يسوع.. حيث يُحضِر معه جُند يحملون العصي، وكأن يسوع المتسامح سيُقابل الشر بالشر، في حين أنه قاوم الشر طيلة حياته بالخير، وهذا ما يدعونا إليه بولس الرسول أيضًا "لا تدع الشر يغلبك، بل أغلب الشر بالخير" (روم21:12). فليس الخير سوى شرٌ تم القضاء عليه.
علينا أن نقرر اليوم، إما أن نعيش حياة التظاهر كيهوذا، أو حاملي سلاح العالم كبطرس، أو خاضعين لإرادة الله كيسوع.. وهل سنستخدم في حياتنا القُبلة أم السيف أم سنقبل الكأس؟!.. نحن مدعوين، لكي ننظر ونتأمل ونصغي إلى ما يقوله لنا صليب يسوع، لأن الصليب ما هو إلاّ ميكروف الله على الأرض لإيقاظ عالم أصم.
نقرأ في رسالة القديس يعقوب "أن الإيمان بدون أعمال ميت" (يع26:2)، فأعمالك تُعبر عن إيمانك، والإنسان البّار هو ذلك الذي يوفّق ما بين إيمانه وأعماله، وهذا ما عمله يسوع فكافؤه بأن علقوه على خشبة الصليب. فأن تعيش إيمانك فهذا يعني أن تكون مستعدًا لتحمّل الآلام "من لا يحمل صليبه ويتبعني لا يستحقني" وهذا يتطلب شجاعًة منك. والشجاعة هي أن تعرف الصواب وتعمله، ومن خلال عملك هذا تحدد مكانك في خارطة الحياة. وبعكسه يكون الجبن الذي هو معرفتك لما هو صواب دون أن تعمله، عندها تفقد مركزيتك في الحياة وتتحول إلى إنسان مهزوز كمثل بيلاطس. حيث نجده في إنجيل يوحنا يخرج سبعة مرات ليُقابل الشعب، ثم كان يرجع ليسأل يسوع، مما يدل على أنه إنسان مهزوز غير حازم، لا يعرف ماذا يعمل.. ونحن اليوم هل نسيطر على بيلاطسنا الداخلي الكامن في أعماق نفوسنا؟.. هل ندرك ما الذي يجب أن نعمله، وما الذي لا يجب أن نعمله. علينا أن نفهم أن في أعماق كل منا يكمن صحفي خدّاع يُلّفق الأنباء، ويُموه الحقائق، ويختلق الشائعات، ويمزج الحق بالباطل.
إضافًة إلى ذلك فإن بيلاطس يُعلن للشعب ثلاث مرات "لا أجد فيه علة تستوجب الموت"، وفي المرة الثالثة بعد أن يجلده، كنا نتوقع أن يصرخ الشعب بوجه بيلاطس ويقول له: "إن كنت لم تجد فيه علة فلماذا جلّدته إذن"، ولكنهم صرخوا بوجه يسوع (ليُصلب..!). ألا نُجلدُ نحن اليوم أيضًا، على يد بيلاطس الجديد الذي يسوّد عالمنا اليوم، من دون أن يكون هناك علة تستوجب هذا؟!. إن كلمات بيلاطس تتناقض مع أعماله وهي أكبر مشكلة تواجه الإنسان... يُسلَّّم يسوع للموت استنادًا لعادة بيلاطس "أن يطلق لهم في كل عيد سجينًا"، مات يسوع محكومًا عليه بعادة وليس بعدالة..! فهل نميز في حياتنا بين أعمالنا وعاداتنا وعدالتنا؟ فلنتأمل في هذا.
الموعظة الثالثة
أن تعمل أعمالاً صالحة فهذا يعني أنك تسير في النور. نور المسيح الذي نصلبه ونهرب منه ونضعه تحت المكيال لا فوقه، لنعمل ما نريده نحن، فليس النور هو الذي غاب عن أعيننا بمقدار ما غابت أعيننا عن النور... هكذا قادة اليهود تصرفوا طبقًا للنور الذي كان لهم، لكن النور الذي فيهم كان ظلامًا. علينا أن نميز أين هو النور الحقيقي، أن نكون حذرين من النور الذي نوقده بإشعالنا قيم الإنسانية، لأنه سيكون ظلامًا لنا كمثل قادة اليهود.
لقد عمل يسوع في حياته الأرضية من أجل خلاص كل البشر، عمل في الجليل واليهودية والسامرة، وشفى ابنة يائيروس، وعبد قائد المائة (الوثني)، عمل بدون تمييز وبمجانية. والإعلان الذي كتبه بيلاطس على خشبة الصليب باللغات العبرية واليونانية واللاتينية ( هذا هو ملك اليهود)، له دلالات عظيمة، فهو يؤكد من جهة شمولية رسالة يسوع الخلاصية، ومن جهة أخرى أن يسوع صلب في مكان يلتقي فيه كثير من اليهود والأمم، فهو مكان عالمي. فالعبرية هي لغة الدين، واليونانية لغة الفلسفة، واللاتينية لغة القانون. وكل هذه اجتمعت لتصلب ابن الله، وما عمله على الصليب عمله من أجل كل العالم، والتي لا تستطيع كل هذه اللغات أن تفهمه... ونحن بأي لغة سنكتب لافتاتنا على خشبة الصليب؟ أتمنى أن تكون لغة الحب التي تكلم وعمل بها يسوع، والتي تعطي الحياة للآخرين..
لقد أنهى الله عمل الخليقة القديمة في ستة أيام. عمل كل ما هو ضروري لكي يستطيع الإنسان الحياة، عمل كل شيء نتيجة للحب ومن أجل الحب، واستراح في اليوم السابع. وبعد ستة ساعات على الصليب أنهى يسوع عمل الخليقة الجديدة، بعد أن زرع فيها الحب والرجاء، واستراح يوم السبت في قبر يوسف الرامي.
إننا ندعوك اليوم يا رب أن تحطم الأصنام التي وضعناها حولنا، أو التي قد يضعها حولنا آخرين، هذه الأصنام التي تقيد مسيحنا، وتصلبه من جديد. قونا يا رب لكي لا نوسع فجوة ما بين مثالية الإيمان وواقعية الحياة، لأننا عندها سنقع في ازدواجية لا نهاية لها.
نسألك يا رب أن تعلمنا الطاعة، على مثال ابنك، اقبلنا في مدرسة الألم، التي فيها تعلم يسوع وحيدك الطاعة، إلى حد الموت على خشبة الصليب... نحن بحاجة إلى أن ينشق حجاب الهيكل من جديد، لندخل إلى حضرتك بفرح الصليب، لكي نكون علامة منظورة أمام كل العالم لحقيقة وجودك.
قوي يا رب ضعفنا...
الاب افرام كليانا
مركريت قلب يسوع- عدد الرسائل : 570
تاريخ التسجيل : 04/06/2008
مواضيع مماثلة
» ألحان رمش الجمعة العظيمة
» الشماس الانجيلي سامي ديشو المنكيشي
» نقوم شبير الجمعة العظيمة
» ايات عـن الالم من الكتاب المقدس
» نقوم شبير الجمعة العظيمة البداية والبيت الاول
» الشماس الانجيلي سامي ديشو المنكيشي
» نقوم شبير الجمعة العظيمة
» ايات عـن الالم من الكتاب المقدس
» نقوم شبير الجمعة العظيمة البداية والبيت الاول
النوفلي :: المواضيع الدينية :: عظات
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت فبراير 17, 2024 4:02 am من طرف Jo Hermiz
» رمش عيد ختان الرب 2022
الخميس فبراير 15, 2024 3:09 pm من طرف Jo Hermiz
» الجمعة الرابعة من السوبارا
الأربعاء فبراير 14, 2024 5:43 pm من طرف Jo Hermiz
» تشبوحتا
الخميس سبتمبر 01, 2022 3:32 pm من طرف Jo Hermiz
» شبح لالاها معشنان
الثلاثاء مايو 03, 2022 5:20 am من طرف Jo Hermiz
» تشبوحتا دمثأمرا بسهرة الحش يوم خميس الفصح بعد الانجيل
الجمعة أبريل 15, 2022 3:04 pm من طرف Jo Hermiz
» شليحا دعيذا قديشا دقيمتيه دمارن
الخميس أبريل 14, 2022 3:09 pm من طرف Jo Hermiz
» قريانا دعيذا قديشا دقيمتيه دمارن
الأربعاء أبريل 13, 2022 3:48 pm من طرف Jo Hermiz
» قولاسى دقوداشا تليثايا تسجيل جديد
الأربعاء أبريل 13, 2022 3:06 pm من طرف Jo Hermiz